ومن معه من أصحابه في ظل جدار ينتظرون أن يصلحوا أمرهم، فلما خلوا والشيطان معهم؛ ائتمروا بقتل رسول الله ﷺ، فقالوا: لن تجدوه أقرب منه الآن فاستريحوا منه؛ تأمنوا في دياركم ويرفع عنكم البلاء، فقال رجل منهم: إن شئتم ظهرت فوق البيت الذي هو تحته فدليت عليه حجراً فقتله، وأوحى الله ﷿ إليه فأخبره بما ائتمروا به من شأنهم؛ فعصمه الله ﷿، وقام رسول الله ﷺ كأنه يريد أن يقضي حاجة، وترك أصحابه في مجلسهم، وانتظره أعداء الله فراث عليهم، فأقبل رجل من المدينة فسألوه عنه، فقال: لقيته قد دخل أزقة المدينة، فقالوا لأصحابه: عجل أبو القاسم أن يقيم أمرنا في حاجته التي جاء لها، ثم قام أصحاب رسول الله ﷺ فرجعوا، ونزل القرآن والله أعلم بالذي أراد أعداء الله، فقال ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١)﴾ [المائدة: ١١].
فلما أظهر الله ﷿ رسوله ﷺ على ما أرادوا به وعلى خيانتهم؛ أمر الله ﷿ رسوله ﷺ بإجلائهم وإخراجهم من ديارهم، وأمرهم أن يسيروا حيث شاءوا، وقد كان النفاق قد كثر في المدينة، فقالوا: أين تخرجنا؟ قال:"أخرجكم إلى الحبس"، فلما سمع المنافقون ما يراد بإخوانهم وأوليائهم من أهل الكتاب؛ أرسلوا إليهم فقالوا لهم: إنا معكم محيانا ومماتنا، إن قوتلتم؛ فلكم علينا النصر، كان أخرجتم؛ لم نتخلف عنكم، وسيد اليهود أبو صفية حُيَيّ بن أخطب، فلما وثقوا بأماني المنافقين؛ عظمت غِرّتهم، ومناهم الشيطان الظهور؛ فنادوا النبي ﷺ وأصحابه: إنا والله لا نخرج ولئن قاتلتنا لنقاتلنك.
فمضى النبي ﷺ لأمر الله -تعالى-؛ فأمر أصحابه فأخذوا السلاح ثم مضى إليهم، وتحصنت اليهود في دورهم وحصونهم، فلما