وهذا الحديث إنما سيق لذم دولتهم، وفي دلالة الحديث على الذم نظر؛ وذلك أنه دل على أن ليلة القدر خير من ألف شهر التي هي دولتهم، وليلة القدر ليلة خيرة، عظحمة المقدار والبركة، كما وصفها الله -تعالى- به، فما يلزم من تفضيلها على دولتهم، فليتأمل هذا؛ فإنه دقيق يدل على أن الحديث في صحته نظر؛ لأنه إنما سيق لذم أيامهم، والله -تعالى- أعلم. وأما إذا أراد أن ابتداء دولتهم منذ ولي معاوية حين تسلمها من الحسن بن علي، فقد كان ذلك سنة أربعين، أو إحدى وأربعين، وكان يقال له: عام الجماعة؛ لأن الناس كلهم اجتمعوا على إمام واحد. وقد تقدم الحديث في "صحيح البخاري" عن أبي بكرة: أنه سمع رسول الله ﷺ يقول للحسن بن علي: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". فكان هذا في هذا العام، -والله الحمد والمنة-. واستمر الأمر في أيدي بني أمية من هذه السنة إلى سنة اثنتين وثلاثين ومائة، حتى انتقل إلى بني العباس كما سنذكره، ومجموع ذلك اثنتان وتسعون سنة وهذا يطابق ألف شهر؛ لأن معدل ألف شهر ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، فإن قال: أنا أخرج منها ولاية ابن الزبير وكانت تسع سنين، فحينئذ يبقى ثلاث وثمانون سنة، فالجواب أنه وإن خرجت ولاية ابن الزبير؛ فإنه لا يكون ما بقي مطابقًا لألف شهر تحديداً، بحيث لا ينقص يوماً ولا يزيده كما قاله، بل يكون ذلك تقريباً، هذا وجه، والثاني: أن ولاية ابن الزبير كانت بالحجاز والأهواز والعراق في بعض أيامه، وفي مصر في قول، ولم تنسلب يد بني أمية من الشام أصلاً، ولا زالت دولتهم بالكلية في ذلك الحين، الثالث: أن هذا يقتضي دخول دولة عمر بن عبد العزيز في حساب بني أمية، ومقتضى ما ذكره أن تكون دولته مذمومة، هذا لا يقوله أحد من أئمة الإسلام، وإنهم مصرحون بأنه أحد الخلفاء الراشدين؛ حتى قرنوا أيامه متابعة لأيام الأربعة، وحتى اختلفوا في أيهما أفضل هو أو معاوية بن أبي سفيان أحد الصحابة؟ وقد قال أحمد بن حنبل: لا أرى قول =