إن في بعض كتب الله:"إن لله عباداً؛ ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرّ من الصِبِر، لبسوا لباس منسوك الضأن من اللين، يجترُّون الدنيا بالدين.
فقال محمد بن كعب: هذا في كتاب الله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (٢٠٤) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (٢٠٥)﴾ [البقرة: ٢٠٤].
فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت؟
فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد.
فإن قلت: فهذا ابن عباس لم يعتبر عموم: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ﴾ [آل عمران: ١٨٨]، بل قصرها على ما أنزلت فيه من قصة أهل الكتاب.
قلت: أجيب عن ذلك بأنه لا يخفى عليه أن اللفظ أعم من السبب؛ لكن بين أن المراد باللفظ خاص، ونظيره تفسير النبي ﷺ الظلم في قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢]، بالشرك؛ من قوله: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] مع فهم الصحابة العموم في كل ظلم.
وقد ورد عن ابن عباس ما يدل على اعتبار العموم؛ فإنه قال به في آية السرقة مع أنها نزلت في امرأة سرقت.
عن نجدة الحنفي قال: سألت ابن عباس عن قوله: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨] أخاص أم عام؟ قال: عام" (١).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد يجيء كثيراً من هذا الباب قولهم: إن هذه الآية نزلت في كذا، لا سيما إن كان المذكور شخصاً، كقولهم: إن آية الظهار نزلت في امرأة أوس بن الصامت، وإن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبد الله، وإن قوله: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ﴾ [المائدة: ٤٩] نزلت في بني قريظة والنضير. . .، ونظائر ذلك مما يذكرون أنه نزل في