للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتحقيق فِي ذلك: إجراء المسألة عَلَى حكم تلف المتعدي فيه فِي مدة التعدي بأمرٍ سماوي لا تسبب فيه للمتعدي، وتقدم تحصيله فِي العارية، فنقل ابن الحَاجِب بناء عَلَى لغو ضمانه بذلك، ونقل ابن شاس بناء عَلَى ضمانه بذلك فتأمله، وبهذا يتبين لك ضعف مناقضة ابن عبد السلام بين مسألة التعدي بالسكنى ومسألة التعدي بالركوب؛ لأن الهلاك فِي زمن التعدي بالركوب لا يعلم كونه بغير سبب المتعدي بحال، والهدم يعلم كونه لا بسببه (١)، وقياسه فِي آخر كلامه التعدي عَلَى الغصب واضح ردّه بما فرّق بِهِ أهل المذهب بين التعدي والغصب من ذلك اعتبار لازمي ذاتيهما لازم ذات الغصب قصد تملك الرقبة فلم يغتفر معه فِي الضمان إِلَى نقل، ولازم ذات التعدي البراءة من قصد تملك الذات، فناسب وقف ضمانها عَلَى التصرف فيها بالنقل.

أَوْ أَكَلَهُ مَالِكُهُ ضِيَافَةً، أَوْ نَقَصَتْ لِلسُّوقِ، أَوْ رَجَعَ بِهَا مِنْ سَفَرٍ ولَوْ بَعُدَ كَسَارِقٍ، ولَهُ فِي تَعَدِّي كَمُسْتَأْجِرٍ كِرَاءُ الزَّائِدِ، إِنْ سَلِمَتْ، وإِلا خُيِّرَ فِيهِ، وفِي قِيمَتِهَا وَقْتَهُ وإِنْ تَعَيَّبَ، وإِنْ قَلَّ كَكَسْرِ نَهْدَيْهَا، أَوْ جَنَى هُوَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ. خُيِّرَ فِيهِ كَصِبْغِهِ فِي قِيمَتِهِ وأَخْذِ ثَوْبِهِ، ودَفْعِ قِيمَةِ الصَّبْغِ، وفِي بِنَائِهِ فِي أَخْذِهِ، ودَفْعِ قِيمَةِ نُقْضِهِ بَعْدَ سُقُوطِ كُلْفَةٍ لَمْ يَتَوَلَّهَا.

قوله: (أَوْ أَكَلَهُ مَالِكُهُ ضِيَافَةً) أصل هذا قول ابن شاس: لَو قدم الغاصب الطعام إِلَى المالك فأكله مَعَ الجهل بحاله فإن الغاصب (٢) يبرأ من الضمان، وتبعه ابن الحَاجِب (٣)، ولم يعرفه ابن عرفه لغير من ذكر، وقَالَ: الجاري عَلَى المذهب أن لا يحاسب المغصوب من ذلك إِلا بما يقضى عَلَيْهِ أن لَو أطعمه من ماله مما ليس بسرف فِي حقّ الأكل ". انتهى.

وكذا استشكله ابن عبد السلام بأن هذا الطعام قد لا يملكه ربه لأن يأكله؛ لأنه ذو ثمن معتبر، وشأن ربه أكل ما هو دونه لضيق حاله، أو لأنها عادة أمثاله، فينبغي فِي مثل هذه الصورة أن يضمنه الغاصب لربه، ويسقط عنه من قيمته القدر الذي انتفع بِهِ ربه أن لَو


(١) في (ن ١)، الأصل: (بسبب).
(٢) في (ن ٢): (حاله).
(٣) انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: ٣/ ٨٦٤، قال ابن الحاجب: (لو قدمه الغاصب لضيف فأكله غير عالم ضمن ولصاحبه برئ) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص: ٤١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>