للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومقتضى أصول الشرع جوازه؛ لأن لذي الحقّ استنابة من شاء عَلَى حقّه، والتنازع مرتفع شغبه باعتبار قول الطالب.

واستدل عَلَى جواز التعدد بالقياس عَلَى تولية الواحد لبقاء حكم الإمام معه، وفرق بيسير رفع التنازع عند اختلاف حكمهما بعزل الإمام قاضيه وتعذر عزل أحد القاضيين الآخر، وأما (١) تعددهما بشرط وقف نفوذ حكمهما عَلَى اتفاقهما (٢) فمنعه ابن شعبان وقال: لا يكون الحاكم نصف حاكم وغلا فيه الباجي، فادعى الإجماع عَلَى منعه، وأجاب عن الاعتراض بتعدد حكمي الصيد والنكاح بأنهما إِن اختلفا انتقل لغيرهما والقاضيان هما بولاية لا يصحّ التنقل فيها بعد انعقادها واختلافهما يؤدي لتضييع الأحكام والغالب اختلاف المجتهدين وإِن كانا مقلدين فولاية المقلد ممنوعة (٣).

قال المازري: وعندي أنّه لا يقوم دليل عَلَى المنع إِن اقتضت ذلك مصلحة ودعت إليه ضرورة فِي نازلة يرى الإمام أنّه لا ترتفع التهمة والريبة إِلا بقضاء رجلين فيها، [١٢٠ / ب] فإن اختلف نظرهما فِي ذلك استظهر بغيرهما. ابن عرفة: منع الباجي وابن شعبان فِي تولية قاضيين ولاية مطلقة لا فِي مسألة جزئية كما فرضه المازري، وذكر الباجي أنّه ولّى فِي بعض بلاد الأندلس ثلاثة قضاة عَلَى هذه الصفة، ولَمْ ينكره من كَانَ بذلك البلد من فقهائه، وقال ابن عرفة قبل هذا: هذا الكلام فِي القضاء وأما فِي نازلة معينة فلا أظنهم يختلفون فيها، وقد فعله علي ومعاوية فِي تحكيمهما أبا موسى وعمرو بن العاصي (٤).


(١) في (ن ١): (وإنما).
(٢) في (ن ١): (اتفاق).
(٣) انظر: المنتقى شرح الموطأ، للباجي: ٧/ ١٣١، ونصّه: (. . وأَمَّا أَنْ يُسْتَقْضَى فِي الْبَلَدِ الْحُكَّامُ والْقُضَاةُ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالنَّظَرِ فِي مَا يُرْفَعُ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَجَائِزٌ، والدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، ولَا أَعْلَمُ أَنَّهُ أُشْرِكَ بَيْنَ قَاضِيَيْنِ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمَانِ ولَا بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ. .).
(٤) وهي قصة التحكيم المشهورة، التي نكبت الأمة بعدها بظهور الفرق، فعلى إثرها ظهرت الخوارج، ثم تطور الأمر إلى ظهور التشيع، ثم الاعتزال، والإرجاء، وتلك رؤوس الفرق الكبرى أعني: الخوارج والشيعة، والمرجئة، والقدرية أو المعتزلة، راجع أفكار هذه الفرق إن شئت في: الفرق بين الفرق، للبغدادي، ومقالات الإسلاميين، للأشعري، والمواقف، للإيجي، ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين، للرازي، وتلبيس إبليس، لابن الجوزي.

<<  <  ج: ص:  >  >>