(٢) اعترض بعض الأفاضل على هذا التعبير، والصواب أن يقال: إن عنى بالجاهلية التكفير فلا ... وإن عنى ما يعيشه المسلمون في واقعهم من أمور جاهلية فحق لا ريب فيه، أفلا يرى العاقل واقع كثير من المسلمين؟ أفلا ينظر المخلص إلى سوق من أسواق المسلمين؟ خمارة ... فقمار ... فسفور ... فمراقص ... فدور لهو (سنيما) ... فدور زنى ... فمصارف ربا .. فمعاهد تدرس الفجور .. فصحف تنشر الفساد .. فمحكمة تحكم بغير ما أنزل الله .. فمراقص باسم ذكر الله .. فطرق بدعية ما أنزل الله بها من سلطان .. فضلًا عن الأحزاب العلمانية المصرح لها بتلك الشعارات التي تحارب بها الله ورسوله، وتدعو إلى تحكيم الطاغوت، وكل ذلك جهارًا نهارًا بأوضح عبارة، وأسهل طريق إلى المعاصي والفجور .. وإذا نظر المسلم إلى شارع من شوارع المسلمين، أو مدرسة بنات خرجن منها فماذا يرى غير السفور والتعري إلا قليلًا قليلًا، ووصل ببعضهم التعري والدياثة إلى حد لم يبلغه كفار قريش، ناهيك عن النسبة الكبرى لتاركي الصلاة، هاجري الزكاة، منتهكي حرمة الصيام، زد على ذلك شتم الله ورسوله، والحلف بغير الله تعالى، فجورًا في وَضَحِ النهار، فضلًا عن عبادة القبور، والتمائم الشركية، والكهانة الكفرية التي انتشرت في صفوف المسلمين، فهل هذه جاهلية أم إسلام، أليس هذا هو الأعم والغالب على أوضاع المسلمين إلا من رحم الله من بعض بلاد المسلمين؟ ووالله إن لم تكن هذه هي الجاهلية - جاهلية الأعمال، وبعضها جاهلية القلوب - فلا جاهلية على وجه الأرض. وهذا هو الذي أراده الرجل، بدليل تصريحه بعدم تكفيره للناس في مواضع تأتي ... وهذا هو مقتضى الإنصاف، أن يحمل المبهم على الصريح، والمجمل على المفصل، ومن الإنصاف أن لا يبخس الناس صوابهم.
ولا يعني هذا أبدًا التستر على أخطاء المخطئين، وانحراف المنحرفين، ولو كان عمر بن الخطاب، فكيف بغيره! مهما كانت ذريعة هذا التستر من حزبيات وسياسات وغيرها، وقد ذكرنا أخطاء سيد، بل زلاته، وحذرنا منها في غير ما مناسبة، وهذا هو العدل والإنصاف، فلا إفراط ولا تفريط، والله الهادي سواء السبيل.