للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن هذا التوحيد إذا وَلَجَ في القلب، واستقر في النفس، قَنَتَ له العبد بما فيه لله، فسلَّم العقل، وخضعت الجوارح، وذلت النفس، وصلحت سائر الأعضاء: ((ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) (١).

قال ابن القيم رحمه الله:

((فمن رسخت هذه الكلمة في قلبه بحقيقتها التي هي حقيقتها، واتصف قلبه بها، وانصبغ بها بصبغة الله التي لا أحسن صبغة منها، فعرف حقيقتها الإلهية التي يثبتها قلبه لله، ويشهد بها لسانه، وتصدقها جوارحه، ونفى تلك الحقيقة ولوازمها عن كل ما سوى الله، وواطأ قلبه لسانه في هذا النفي والإثبات، وانقادت جوارحه لمن شهد له بالوحدانية، طائعة سالكة سبيل ربها ذللًا، غير ناكبة عنها، ولا باغية سواها بدلًا، كما لا يبتغي القلب سوى معبوده الحق بدلًا، فلا ريب أن هذه الكلمة، من هذا القلب، على هذا اللسان، لا تزال تؤتي ثمرتها من العمل الصالح الصاعد إلى الله كل وقت ... وشهادة أن لا إله إلا الله تثمر جميع الأعمال الصالحة، الظاهرة والباطنة، فكل عمل صالح مرضي لله ثمرة هذه الكلمة ... ولا تزال هذه الشجرة تثمر الأعمال الصالحة كل وقت، بحسب ثباتها في القلب، ومحبة القلب لها، وإخلاصه فيها، ومعرفته بحقيقتها، وقيامه بحقوقها، ومراعاتها حَقَّ رعايتها)) (٢).


(١) مسلم (٣/ ١٢١٩).
(٢) إعلام الموقعين (١/ ١٧٢)، مع شيء يسير من التصرف.

<<  <   >  >>