للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثاً: أن تلك الطائفة كانت تقول بأن القليل من النحو كاف، ولا يتحتم على المرء أن يدخل في مسائل النحويين وخلافاتهم.

وقد جاء ذلك على لسان متى بن يونس في مناظرته لأبي سعيد السيرافي إذ يقول: (يكفيني من لغتكم هذه: الاسم، والفعل والحرف، فإني أتبلغ بهذا القدر إلى أغراض قد هذبتها لي يونان)، كما جاء على لسان أبي سعيد في قوله: (وإذا لم يكن لك بد من قليل هذه اللغة من أجل الترجمة فلا بد لك - أيضاً - من كثيرها، من أجل تحقيق الترجمة، واجتلاب الثقة، والتوقي من الخلة اللاحقة) (١) وهي التي عناها عبد القاهر بأنها تقول: "إن ما زاد (من النحو) على معرفة الرفع والنصب وما يتصل بذلك مما نجده في المبادئ، فهو فضل، لا يجدي نفعاً، ولا تحصل منه على فائدة وضربوا له المثل بالملح - كما عرفت" (٢).

رابعاً: أن تلك الطائفة - في عهد عبد القاهر - كانت طائفة المعتزلة الذين كان يمثلهم، القاضي عبد الجبار الأسد أبادي، لأنها هي التي كانت تتناول تفسير القرآن، وتتعاطى تأويله معتمدة على العقل، واللغة، دون إلمام كامل بعلم النحو، ومسائله، وقضاياه.

والدليل على ذلك ما يلي:

١ - أن عبد القاهر يقول: (وذلك أنهم قالوا: إن الفصاحة لا تظهر في أفراد الكلام، وإنما تظهر بالضم على طريقة مخصوصة، فقولهم: (بالضم) لا يصح أن يراد به النطق باللفظة بعد اللفظة من غير اتصال يكون بين معنيهما لأنه لو جاز أن يكون لمجرد ضم اللفظ إلى اللفظ تأثير في الفصاحة، لكان ينبغي، إذا قيل (ضحك خرج) أن يحدث من ضم


(١) الامتاع والمؤانسة ١/ ١١٤، ١١٥.
(٢) الدلائل ٦.

<<  <   >  >>