للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والاستعارة الممتعة: هي ما قصده البلاغيون بقولهم: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة، بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، كقولك سلمت على أسد، وأنت رجلاً شجاعاً.

وقد جرى عبد القاهر على هذا المنوال، فبعد أن تدرج بالقارئ إلى فهم عملية النظم أراد أن يبين أن تصوير المعنى إنما هو الهدف من النظم، وأن هذا التصوير يتألق في أروع صوره إذا جاء عن طريق الصور البيانية الأخاذة، كالكناية، والمجاز.

وقد ضمن ذلك فصلاً - من دلائل الإعجاز -، جعله فصلاً في (اللفظ يطلق والمراد به غير ظاهره)، وافتتحه، مبيناً أن لهذا الضرب من الكلام تفتناً، واتساعاً، لا ينتهيان، إلا أنه على اتساعه، وتفننه يدور في الأمر الأعم على موضوعين: هما: الكناية، والمجاز.

فأما الكناية: فهي أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني، فلا يذكره بلفظه الموضوع له في اللغة، بل يجئ إلى معنى هو تاليه وردفه في الوجود، فيومئ إليه، ويجعله دليلاً عليه (وبقوله: بل يجئ إلى معنى هو تاليه وردفه في الوجود يأتي دليل على أنه يقصد بالكناية: الإرداف عند قدامة، بدليل أنه مثل بما مثل به قدامة، وهو قولهم في المرأة: (نؤوم الضحى).

وقد مثل عبد القاهر للكناية بقولهم: (هو طويل النجاد) يريدون أنه طويل القامة، وقولهم: (كثير رماد القدر) يريدون أنه كثير النوال، وقولهم - في المرأة -: (تؤوم الضحى) والمراد أنها مترفة مخدومة، لها من يكفيها أمرها.

فقد أرادوا في ذلك كله - كما ترى - معنى ثم لم يذكروه بلفظه

<<  <   >  >>