وإن جعلنا الفصاحة أحد ما تفاضل به، ووجهاً من الوجوه التي تقتضي المفاضلة بين كلام وكلام، لم يكن لهذا الخلاف ضرر، لأنه ليس بأكثر من أن نعمد إلى الفصاحة، فنخرجها من حيز البلاغة والبيان، وأن تكون نظيرة لهما، أو تجعلها اسماً مشتركاً، يقع تارة لما يقع له تلك، وتارة أخرى لما يرجع إلى اللفظ مما يثقل على اللسان، وليس واحد من الأمرين بقادح فيما نحن بصدده.
ويمضي عبد القاهر في الرد على من يرجعون المزية في النظم للألفاظ - وهم المتكلمون من أمثال القاضي عبد الجبار الأسد أبادي - مبطلاً حججهم، ومزيلاً شبهاتهم، حتى يصل إلى أن المزية في النظم إنما هي للمعنى، وليس للفظ، حتى يتفرغ لتفصيل أمر المزية، وبيان الجهات التي تعرض منها.
خامساً: ثمرة النظم هي تصوير المعنى "نظرية البيان":
وتصوير المعنى إما أن يكون عن طريق إفادة الألفاظ لمعانيها الأول وإما أن يكون عن طريق إفادة الألفاظ لمعان أخرى غير المعاني التي وضعت لها في أول وضعها، وهي التي يسميها عبد القاهر المعاني الثواني.
فثمرة النظم هي تصوير المعنى، سواء أكان هذا المعنى حقيقة، أو مجازاً، أو كناية.