للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٤ - خطوات عملية النظم]

عندما قال أبو سعيد السيرافي لمتى بن يونس - وقد قال له: يكفيني من لغتكم هذه: الاسم والفعل والحرف -: "أخطأت، لأنك في هذا الاسم، والفعل، والحرف فقير إلى رصفها "أي الأسماء والأفعال، والحروف" وبنائها على الترتيب الواقع في غرائز أهلها" كان يقصد أن ترتيب الألفاظ ترتيب من نوع خاص بحيث لا يكون ترتيباً ظاهرياً، أو شكلياً، وإنما يكون ترتيباً تراعي فيه العلاقات النحوية، على حسب ترتيبها في طبائع أهلها، أو في نفوسهم، ومعنى هذا: أن عملية الترتيب كانت تتم في طبائع القوم، أو غرائزهم، أو نفوسهم، ثم تأتي عملية الترتيب في النطق على هذا الترتيب الواقع في النفس.

وقد قرأ عبد القاهر الجرجاني هذا القول - وهو الألمعي الذكي الفذ الذي تكشف له خبايا المعاني من خلال قراءته لكتب السابقين - فرأى هو الآخر: أن عملية النظم إنما هي في ترتيب الألفاظ في النطق على حسب ترتيب المعاني في النفس.

ولم يشأ أبو سعيد السيرافي أن يترك هذا المعنى الذي ألمح إليه؛ أي رصف الألفاظ وبناؤها على الترتيب الواقع في غرائز أهلها، دون أن يؤكده مرة أخرى، عندما قال لمتى بن يونس: "وإذا قال لك آخر، كن نحوياً، لغوياً، فصيحاً، فإنما يريد، افهم عن نفسك ما تقول، ثم رم أن يفهم عنك غيرك"، لأنه لا معنى لأن يفهم الإنسان عن نفسه ما يقول، إلا أن يريد قوله في نفسه أولاً، فإن كان ما قاله في نفسه مفهوماً ويمكن أن يفهمه الآخرون فإنه حينئذ يحاول أن يفهم غيره ممن يريد الإفضاء بحديث إليهم.

كما أنه لا معنى لقوله "ثم رم أن يفهم عنك غيرك، إلا أن يرتب

<<  <   >  >>