في نظم الكلام، ولهذا فإنه يجب أن ينظر إلى الكلمة قبل دخولها في التأليف، وقبل أن تصبر إلى الصورة التي بها يكون الكلام خبراً، أو إنشاء، وتؤدي في الجملة معنى من المعاني التي لا سبيل إلى إفادتها بضم كلمة، وبناء لفظة على أخرى، لأنه لا يتصور أن يكون لإحدى اللفظتين تفاضل في الدلالة، قبل دخولها في التأليف، بأن تكون كلمة أدل على معناها الذي وضعت له من صاحبتها - على ما وسمت به - كأن يقال: إن (رجلاً) - مثلاً - أدل على معناه من (فرس) على ما سمي به، ولا أن يتصور في الاسمين الموضوعين لشيء واحد أن يكون أحدهما أحسن نبأ عنه، وأبين كشفاً عن صورته من الآخر، كما أنه لا يقع في الوهم أن تتفاضل الكلمتان المفردتان من غير أن ينظر إلى مكان تقعان فيه من التأليف والنظم بأكثر من أن تكون إحداهما مألوفة مستعملة، والأخرى غريبة، أو أن تكون هذه أخف نطقاً من تلك.
ولهذا فإنك لا تجد أحداً يقول: هذه اللفظة فصيحة، إلا وهو يعتبر مكانها من النظم وحسن ملاءمة معناها لمعاني جاراتها، وفضل مؤانستها لأخواتها.
فلا تفاضل بين كلمة وأخرى - في الدلالة على المعنى - قبل دخولهما في التأليف، لأن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة، ولا من حيث هي كلمة مفردة، وإنما تثبت لها الفضيلة والمزية إذا لامعت معانيها معاني التي تليها.
والدليل على ذلك: أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع، ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر.
ثانياً: ترتيب الألفاظ في النطق على حسب ترتيب المعاني في النفس: