هناك فرق بين نظم الحروف، ونظم الكمات، لأن نظم الحروف هو: تواليها في النطق فقط، دون أن يكون هناك معنى اقتضى هذا النظم، ولا أن يكون ناظمها قد تحرى رسماً من العقل في نظمها، أما نظم الكلمات: فإن الأمر فيها ليس كذلك، لأنك تقتفي في نظمها آثار المعاني، وترتيبها في النفس، فهو نظم يعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض، وليس معناه ضم الشيء إلى الشيء كيف جاء واتفق! فإذا ما عرفت الفرق بين نظم الحروف، ونظم الكلمات على هذا النحو، عرفت أن ليس الغرض بنظم الكلمات، أن توالت ألفاظها في النطق، ولكن أن تناسقت وتلاقت معانيها على الوجه الذي اقتضاه العقل.
ثم ينبه عبد القاهر إلى أن الثمرة التي يخرج بها من هذا الفصل تتمثل فيما يلي:
١ - لا يتصور أن تعرف للفظ موضعاً من غير أن تعرف معناه، كما أنه لا يتصور أن تتوخى في الألفاظ، من حيث هي ألفاظ ترتيباً ونظماً.
٢ - عليك أن تتوخى الترتيب في المعاني، وأن تعمل فكرك هناك، فإذا ما تم لك ذلك أتبعتها الألفاظ، وقفوت بها آثارها.
٣ - إذا ما فرغت من ترتيب المعاني في نفسك، وجدت الألفاظ مرتبة على حذوها في نطقك، ولم تحتج إلى أن تستأنف فكراً في ترتيبها، لأن الألفاظ خدم للمعاني، وتابعة لها، ولاحقة بها.