ويشمر عبد القاهر عن شاهد الجد في الرد على من يرجعون المزية إلى الألفاظ، مبطلاً حججهم، ومزيلاً شبهاتهم، فيقول: إنه إذا ما ادعى أحد بأن لا معنى للفصاحة سوى التلاؤم اللفظي، وتعديل مزاج الحروف حتى لا تتلاقى حروف في النطق تثقل على اللسان زاعماً: أن الكلام في ذلك طبقات: فمنه المتناهي في الثقل، ومنه ما هو أخف منه، ومنه ما فيه بعض الكلفة على اللسان، إلا أنه لا يبلغ ما يعاب من الكلام، وأن الكلام إذا خلا منه، وصفاً مما يشوبه، كان الفصيح المشاد به، وأن الصفاء أيضاً يكون على مراتب، يعلو بعضها بعضاً وأن له غاية إذا انتهى إليها كان الإعجاز، فإن الذي يبطل هذه الشبهة - إن ذهب إليها ذاهب - أننا إذا قصر ناصفة الفصاحة على هذه الصفات، لزم أن تخرج الفصاحة من حيز البلاغة.
وإذا فعلنا ذلك، لم نخل من أحد أمرين؛ إما أن تجعلها العمدة في المفاضلة بين العبارتين، وإما أن نجعلها أحد ما تفاضل به، ووجهاً من الوجوه التي تقتضي تقديم كلام على كلام.
فإن أخذنا بالأول: لزمنا أن نقصر الفضيلة عليها حتى لا يكون إعجاز إلا بها. وفي ذلك من الفساد ما لا يخفى، لأنه يؤدي إلى إخراج البلاغة من حيز الإعجاز؛ لأن ذلك يخرج المعاني التي ذكروها في حدود البلاغة من