أولاً: أن مناظرة أبي سعيد السيرافي، كانت أساساً بني عليه البلاغيون نظريتي المعاني والبيان، إذ قرأها كل من قدامة بن جعفر - الذي سمعها في وقتها، لأنه كان حاضراً مجلسها - والقاضي على بن عبد العزيز الجرجاني" وأبي هلال العسكري، والقاضي عبد الجبار الأسد أبادي وعبد القاهر الجرجاني، وقد أخذ كل منهم - على قدر استعداده، وثقافته، وذكائه - من تلك المناظرة.
فقد أخذ منها قدامة بن جعفر: أن المعاني هي مادة صناعة الكلام - بعد أن كان قد رأى من قبل، أن الألفاظ هي مادتها في كتابه (الخراج وصناعة الكتابة). كما يقول ابن سفان الخفاجى في سر الفصاحة - وأن على الشاعر أن (يتوخى الإجادة في تصوير المعنى) واستلهم منها - أيضاً -: (الإرداف) و (التمثيل) فعرفهما، ومثل لهما.
والقاضي الجرجاني قد بنى نظريته في النقد على أساس (صحة المعاني، وسلامة النظم، وحسن التأليف، وقوة النسج) فمدح أشعاراً بحسن النظم وجودة التأليف وذم أشعاراً أخرى بسوء النظم، وهلهلة النسج.
وأبو هلال العسكري: أخذ منها: (توخى صواب المعنى، وصحة اللفظ، والمعرفة بوجوه الاستعمال).
وأخذ منها عبد الجبار: أن الفصاحة لا تظهر في أفراد الكلام، وإنما تظهر فيه بالضم على طريقة مخصوصة، مع مراعاة اختيار الكلمة، وموقعها، وإعرابها.