عرفت أن المناطقة ومن شايعهم ممن أعجبوا بالمنطق اليوناني، والفلسفة اليونانية، قد اعتقدوا أن المنطق كاف في معرفة الحق من الباطل، والشك من اليقين، والصدق من الكذب "وأنه لا جدوى من التعمق في علم النحو، بل يكفي منه معرفة القليل؛ مما لا يتعدى صحة الكلام؛ من الرفع، والنصب: والجر، وهكذا، وأن متى بن يونس المنطقي قد ذكر هذا، أمام أبي سعيد السيرافي، وأن أبا سعيد السيرافي قد أفحمه، وأسكته في المناظرة الشهيرة التي جرت بينهما في مجلس الوزير أبي الفتح، الفضل بن جعفر بن الفرات، وزير المقتدر الخليفة العباسي وقد تركز الحديث في تلك المناظرة حول ما يعرف به صحيح الكلام من سقيمه، وفاسد المعنى من صالحه هل هو المنطق أو النحو؟
وقد رأى متى بن يونس أن المنطق هو الذي يعرف به هذا وشبهه بالميزان، الذي يعرف به الرجحان من النقصان والشائل من الجانح.
ولكن أبا سعيد السيرافي قد خطأه في هذا، ورأى أن صحيح الكلام من سقيمه إنما يعرف بالنظم المألوف والإعراب المعروف، إذا كنا نتكلم باللغة العربية، وأن فاسد المعنى من صالحه، إنما يعرف بالعقل، إذا كنا نبحث بالعقل.
واستمع إلى ما قاله كل منهما في تلك المناظرة حول هذا المعنى:
قال أبو سعيد السيرافي: (حدثني عن المنطق، ما تعني به؟ فإنا إذا فهمنا مرادك فيه، كان كلامنا معك: في قبول صوابه، ورد خطئه على سنن مرضى، وطريقة معروفة.