للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(أ) دلائل الإعجاز شرح لمناظرة السيرافي]

ويمكننا أن نصوغ رد أبي سعيد السيرافي على متى بن يونس، في عبارات مترابطة على النحو التالي:

إذا كنتم محتاجون إلى معرفة صحيح الكلام من سقيمه، فإنه يعرف بالنظم والإعراب؛ لأن الإعراب كالميزان؛ يعرف به الرجحان من النقصان، والشائل من الجانح.

فأنتم محتاجون للغة العربية من أجل الترجمة؛ واللغة العربية مكونة من الإسم، والفعل، والحرف فأنتم محتاجون - أيضاً - إلى رصفها، وبنائها؛ على الترتيب الواقع في غرائز أهلها؛ وحينئذ ستجدون من ذلك الرصف وهذا البناء، معاني النحو منقسمة بين حركات اللفظ وسكناته وبين وضع الحروف في مواضعها المقتضية لها، وبين تأليف الكلام بالتقديم والتأخير، وتوخي الصواب في ذلك، وتجنب الخطأ من ذلك.

والنظم كالنسج، ففيه تخير، وإعمال فكر؛ إذ الكلام كالثوب، والنظم كالنسج، والمعاني كالسدى، والألفاظ كاللحمة، ورقة اللفظ كرقة الخيوط، وغلظة ككثافة غزله، وبلاغته كقصارته بمعنى تبييضه وتزيينه، ونقشه.

فمعنى قول القائل: كن نحوياً، لغوياً، فصيحاً: أفهم عن نفسك ما تقول؛ ثم رم أن يفهم عنك غيرك، وقدر اللفظ على المعنى فلا يفضل عنه، وقدر المعنى على اللفظ، فلا ينقص عنه، إذا كنت تريد الحقيقة، أما إذا أردت مجازاً، أو كناية، فأجل اللفظ بالروادف الموضحة، والأشباه المقربة، والاستعارات الممتعة، وبين المعاني بالبلاغة، أي لوح منها لشيء حتى لا تصاب إلا بالبحث عنها، والشوق إليها، لأن المعنى إذا ظفر به على هذا الوجه عز وجلا، وكرم وغلا.

<<  <   >  >>