للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[١ - الطائفة التي زهدت في "علم النحو"]

في القرن الرابع الهجري - وهو القرن الذي عاش فيه أبو سعيد السيرافي - كان المنطق اليوناني قد ترجم إلى اللغة العربية، على يد حنين ابن إسحق، والكندي المتفلسف، ومتى بن يونس المنطقي، كما ترجم كتابا: "الشعر"، و"الخطابة" لأرسطو، فتعلقت طائفة من المثقفين العرب بمنطق اليونان، وأعجبت به، وحاولت تطبيق كل من النقد العربي والبلاغة العربية على قواعد المنطق اليوناني، وأصول البلاغة اليونانية، وتمثل ذلك في كتابي: "نقد الشعر" لقدامة بن جعفر، المتوفي سنة ٣٣٧ هـ و"البرهان في وجوه البيان" لأبي الحسين إسحاق بن إبراهيم بن سليمان ابن وهب، الذي كان معاصراً لقدامة، بل إن تلك الطائفة قد حاولت - أيضاً - تطبيق المنطق اليوناني على الشعر العربي مما جعل البحتري يشكو منهم قائلاً:

كلفتمونا حدود منطقكم ... والشعر يغني عن صدقه كذبه

ولم يكن ذو القروح يلهج ... بالمنطق، ما نوعه وما سببه

والشعر لمح، تكفي إشارته ... وليس بالهذر طولت خطبه

يقول عبد القاهر - في التعليق على البيت الأول -: أراد كلفتمونا أن نجري مقاييس الشعر على حدود المنطق ونأخذ نفوسنا فيه بالقول المحقق، حتى لا ندعي إلا ما يقوم عليه من العقل برهان يقطع به (١) ... ".

ويبدو أن هذه الطائفة كانت تزهد الناس في النحو، وقواعده، ومسائله، وخلافاته، بل وحاولت أن تزهدهم - أيضاً - في الشعر،


(١) أسرار البلاغة ٢٤٩ (ط هـ ريتر).

<<  <   >  >>