للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زاعمة أن معرفة الصدق من الكذب، والحق من الباطل، والشك من اليقين والصدق من الكذب، إنما تكون بالمنطق، وأما النحو فهو إنما يبحث في اللفظ، لا في المعنى وأنه يكفي القليل منه، ولهذا شبهوه بالملح، فقالوا: النحو في الكلام، كالملح في الطعام، ويكفي منه معرفة الاسم، والفعل، والحرف، وتصحيح الكلام من الخطأ اللغوي، ومعرفة المرفوع منه والمنصوب، والمجرور، وهكذا، دون الدخول في متاهات النحويين وخلافاتهم، مما دعا الوزير ابن الفرات أن يعقد مناظرة بين متى بن يونس القنائي المنطقي، وبين أبي سعيد السيرافي النحوي في المفاضلة بين النحو والمنطق.

وقد قال متى بن يونس لأبي سعيد السيرافي:

(النحو لم أنظر فيه، لأنه لا حاجة بالمنطقي إليه، وبالنحوي حاجة شديدة إلى المنطق، لأن المنطق ببحث عن المعنى، والنحو يبحث عن اللفظ، فإن مر المنطقي باللفظ فبالعرض، وإن عثر النحوي بالمعنى فبالعرض، والمعنى أشرف من اللفظ، واللفظ أوضع من المعنى).

ولعل السر في أن المنطقبين كانوا يعتقدون أن النحويين مع اللفظ لا مع المعنى هو: أن اليونانيين كانوا يطلقون على المشتغلين بعلم الألفاظ نحويين؛ ففي لسان العرب في مادة (نحا): قال الأزهري:

"ثبت عن أهل يونان - فيما يذكر المترجمون العارفون بلسانهم ولغتهم - أنهم يسمون علم الألفاظ والعناية بالبحث عنه: نحواً، ويقولون: كان فلان من النحويين، فصار ذلك اعتقاداً لهم متعارفاً بينهم وقالوا: إن النحويين مع اللفظ، لا مع المعنى.

ولهذا ندب عبد القاهر نفسه لإتمام رسالة أبي سعيد السيرافي، للرد على تلك الطائفة في مستهل كتابه "دلائل الإعجاز" وحمل على من ألف منهم

<<  <   >  >>