والباقلاني قد قال كلاماً عاماً، لا يشفى غليلا، في معرفة معنى النظم، والخطابي -وإن أشبه عبد القاهر في محاولته الجادة، في الإفصاح عن معنى النظم- إلا أنه لم يستطع الوصول إلى أسراره، بأكثر من أن الكلام ينقسم إلى لفظ حامل للمعنى، ومعنى محمول للفظ، ورباط بينهما ناظم، وأبو هلال العسكري، وإن كان قد أرجع إعجاز القرآن إلى بلاغته، إلا أن نظريته في البلاغة قد انحصرت في (توخي صواب المعنى، وصحة اللفظ، والمعرفة بوجوه الاستعمال) للوصول إلى (الصورة المقبولة، والعبارة المستحسة) مبتعداً بذلك عن (توخي معاني النحو فيما بين الكلم).
أما المعتزلة: - وهم الذين كانوا يرجعون دلائل الإعجاز، إلى جزالته للفظ وحسن المعنى -فقد مثلهم- كما أسلفنا- قبل عبد القاهر: أبو علي الجبائي، وابنه أبو هاشم، والرماني، وعبد الجبار:
أما أبو هاشم الحبائي، فقد أشار إلى رأيه عبد الجبار، بقوله:"قال شيخنا أبو هاشم إنما يكون الكلام فصيحاً، لجزالته، وحسن معناه، ولابد من اعتبار الأمرين، لأنه لو كان جزل اللفظ، ركيك المعنى، لم يعد فصيحاً، فإذن يجب أن يكون جامعاً لهذين الأمرين، وليست فصاحة الكلام بأن يكون له نظم مخصوص، لأن الخطيب عندهم قد يكون أفصح من الشاعر، والنظم مختلف -إذا أريد بالنظم اختلاف الطريقة- وقد يكون النظم واحداً وتقد المزيه في الفصاحة، فالمعتبر ما ذكرناه، لأنه الذي يتبين في كل نظم، وكل طريقة، وإنما يختص النظم بأن يقع لبعض الفصحاء، يسبق إليه، ثم يساويه فيه غيره من الفصحاء، فيساويه في ذلك النظم، ومن يفضل عليه يفضله في ذلك النظم"(١).