للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كالصورة، كما يوجد في كل صناعة، من أنه لابد فيها من شيء موضوع يقبل تأثير الصور فيها، مثل الخشب للنجارة، والفضة للصباغة، وعلى الشاعر إذا شرع في أي معنى كان من الرفعة والضعة .. أن يتوخي البلوغ من التجويد في ذلك إلى الغاية المطلوبة" (١).

والمعاني التي تحدث عنها قدامة هي المعاني الغفل التي تحدث عنها عبد القاهر -في الدلائل- وقال إن سبيلها سبيل أشكال الحلي كالخاتم والشنف والسوار، فكما أن من شأن هذه الأشكال أن يكون الواحد منها غفلا ساذجاً، لم يعمل صانعه فيه شيئاً، أكثر من أن يأتي بما يقع عليه اسم الخاتم إن كان خاتماً، والشنف إن كان شنفاً، وأن يكون مصنوعاً بديعاً، قد أغرب صانعه فيه، كذلك سبيل المعاني أن ترى الواحد منها غفلا ساذجاً عامياً موجوداً في كلام الناس كلهم ثم تراه نفسه وقد عمد إليه البصير بشأن البلاغة، وإحداث الصور في المعاني، فيصنع فيه ما يصنع الحاذق حتى يغرب في الصنعة ويدق في العمل، ويبدع في الصياغة ... " (٢).

كما أن عبارة قدامة: (أن يتوخى -الشاعر- البلوغ من التجويد في ذلك إلى الغاية المطلوبة) كان أصلاً لعبارة أبي هلال: (توخي صواب المعنى) التي سبقت عبارة عبد القاهر: (توخي معاني النحو).

وهكذا تجد أن الذين بحثوا في إعجاز القرآن قبل عبد القاهر، وأرجعوا دلائل الإعجاز إلى نظمه وهم الأشاعرة ومعهم الجاحظ من المعتزلة- لم يتوصلوا، إلى أسرار لنظم:

فالجاحظ قد رأى أنها في تلاؤم الكلام، حتى كأنه قد سبك سبكاً،


(١) نقد الشعر ١٤
(٢) الدلائل ٣٢٤

<<  <   >  >>