يدل على تقصير شديد في العلم بكلام العرب، لأن العرب إذا وصفت الشيء بصفة غيره، استعارت له ألفاظه، وأجرته في العبارة مجراه - وإن كان لو انفر "اتفرد عنه بصفته، وتميز دونه بعبارته"(١).
وهو بهذا يؤكد ما يراه، من أنه لا غنى للنحوي من الإلمام بمعاني العرب، وطرق استعمالاتهم لها، كما أنه لا غنى للمعنوي عن الإلمام بقواعد النحو، وكيفية تطبيقها على كلامهم.
ولعلك قد لاحظت أن القاضي الجرجاني قد أشار إلى طائفتين:
الأولى: وهم أقل الناس حظاً بمعرفة النقد، ولا يعتمدون إلا على سلامة الوزن، وإقامة الإعراب، وأداء اللغة، والاهتمام بتزيين الكلام.
والثانية: وهم العارفون بحقيقة النقد، ويعتمدون في نقدهم على صحة الترتيب، وسلامة النظم وحسن التأليف، وقوة النسج، مع معرفتهم بما بين الألفاظ من نسب، أو أسباب.
وأن عبد القاهر قد أشار إلى هاتين الطائفتين من النقاد - في أول الدلائل -، إذ قال عن الطائفة الأولى: "ترى الواحد منهم يسمع الفصاحة، والبلاغة، والبراعة، فلا يعرف لها معنى سوى الأطناب في القول، وأن يكون المتكلم جهير الصوت. وأن يستعمل اللفظ الغريب، والكلمة الوحشية، فإن استظهر للأمر وبالغ في النظر، فأن لا لديلحن، فيرفع في موضع النصب، أو يخطئ فيجئ باللفظة على غير ما هي عليه في الوضع اللغوي، وعلى خلاف ما ثبتت به الرواية عن العرب، وجملة الأمر، أنه لا يرى النقص يدخل على صاحبه - في ذلك - إلا من جهة نقصه في علم اللغة.