للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا ترى أن الباقلاني قد حاول جاهداً، أن يتبين معنى النظم، وأن يصل إلى أسراره. فلم يجيء إلا بكلام عام، لم يصل به إلى الدلائل الحقيقية للإعجاز، وهي خصائص النظم وفروقه، المتمثلة في تتبع معاني النحو فيما بين الكلم.

على أن هناك من النقاد من أسهم برأيه. في قضية الإعجاز، وأن القرآن الكريم معجز بنظمه الفريد، الذي لا يستطيع الخلق أن يأتوا بمثله، وساهم في إبراز نظرية النظم -وإن لم يصل إلى ما وصل إليه عبد القاهر من بعده- وهو، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري، المتوفى سنة ٣٩٥ هـ.

فقد بين في مقدمة كتابه (الصناعتين) أن الإنسان إذا أغفل علم البلاغة، وأخل بمعرفة الفصاحة، لم يقع علمه بإعجاز القرآن، من جهة ما خصه الله به من حسن التأليف، وبراعة التركيب وما شحنه به من الإيجاز البديع، والاختصار اللطيف، وضمنه من الحلاوة، وجلله من رونق الطلاوة، مع سهولة كلمة وجزالتها وعذوبتها وسهولتها، إلى غير ذلك من محاسنه التي عجز الخلق عنها. وتحيرت عقولهم فيها، وإنما يعرف إعجازه من جهة عجز العرب عنه،

وأنه يقبح بالفقيه المؤتم به، والقارئ المهتدى بهديه، والمتكلم المشار إليه في حسن مناظرته، وتمام آلته ومجادلته، وشدة شكيمته في لحاجه، والعربي الخالص، والقرشي الصريخ أن لا يعرف إعجاز كتاب الله تعالى، إلا من الجهة التي يعرفه منها الزنجي، والنبطي، وأن يستدل عليه بما استدل به الجاهل الغبي.

وأن علم البلاغة ينبغي أن يقدم التماسه على سائر العلوم الأخرى، بعد توحيد الله تعالى، لأن المعرفة بصحة النبوة تتلو المعرفة بالله تعالى.

<<  <   >  >>