للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النسق الذي تراه في ألفاظ القرآن الكريم إنما كان معجزاً من أجل أن كان قد حدث عنه ضرب من الوزن يعجز الخلق عن أن يأتوا بمثله، وإذا قال ذلك لم يمكنه أن يقول: إن التحدي وقع إلى أن يأتوا بمثله في فصاحته وبلاغته، لأن الوزن ليس هو من الفصاحة والبلاغة في شيء، إذ لو كان له مدخل فيهما، لكان يجب في كل قصيدتين اتفقتا في الوزن، أن تتفقا في الفصاحة والبلاغة، فإن دعا بعض الناس طول الإلف لما سمع، من أن الإعجاز في اللفظ إلى أن يجعله في مجرد الوزن، كان قد دخل في أمر شنيع، وهو أنه يكون قد جعل القرآن معجزاً، لا من حيث هو كلام، ولا بما به كان لكلام فضل على كلام، فليس بالوزن ما كان الكلام كلاماً، ولا به كان كلام خيراً من كلام" (١).

وبهذا الرد من عبد القاهر -في دلائل الإعجاز- على ابن سنان في (سر الفصاحة) يثبت لنا، بما لا يدع مجالاً لأدنى شك، أن عبد القاهر قد ألف "الدلائل" بعد سنة ٤٥٤ هـ، وهي السنة التي انتهى فيها ابن سنان من تأليف كتابه "سر الفصاحة".

على أن ابن سنان نفسه كان متأثراً بما كتبه أبو هلال العسكري المتوفى سنة ٣٩٥ هـ في كتاب (الصناعتين) فقد استقى منه طريقة الفصل بين الفصاحة والبلاغة، كما استقى منه فكرة الابتداع، والاحتذاء، وإن لم يكن قد فهم الاحتذاء على حقيقته.


(١) الدلائل ٣٦٣، ٣٦٤.

<<  <   >  >>