فقال أبو سعيد، مخالفة الوزير فيما رسمه هجنة، والاحتجاز عن رأيه إخلاد إلى التقصير، ونعوذ بالله من زلة القدم، وإياه نسأل حسن المعونة في الحرب والسلم، ثم واجه متى، فقال:
حدثني عن المنطق ما تعني به؟ فإنا إذا فهمنا مرادك فيه كان كلا منا معك في قبول صوابه ورد خطئه على سنن مرضى وطريقة معروفة.
قال متى: أعني به: أنه آله من آلات الكلام يعرف بها صحيح الكلام من سيقمه، وفاسد المعنى من صالحه، كالميزان، فإني أعرف به الرجمان من النقصان، والشائل من الجانح.
فقال أبو سعيد: أخطأت، لأن صحيح الكلام من سقيمه يعرف بالنظم المألوف، والإعراب المعروف -إذا كنا نتكلم بالعربية- وفاسد المعنى من صالحه يعرف بالعقل، -إذا كنا نبحث بالعقل، وهبك عرفت الراجح من الناقص من طريق الوزن، فمن لك بمعرفة الموزون، أيما هو؟ حديد، أو ذهب، أو شبه، أو رصاص؟ فأراك بعد معرفة الوزن فقيراً إلى معرفة جوهر الموزون، وإلى معرفة قيمته، وسائر صفاته التي يطول عدها، فعلى هذا لم ينفعك الوزن الذي كان عليه اعتمادك وفي تحقيقه كان اجتهادك إلا نفعاً يسيراً من وجه واحد، وبقيت عليك وجوه فأنت كما قال الأول:
حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء
وبعد: فقد ذهب عنك شيء هاهنا: ليس كل ما في الدنيا يوزن، بل فيها ما يوزن، وفيها ما يكال وفيها ما يذرع، وفيها ما يمسح، وفيها ما يحزر، وهذا -وإن كان في الأجسام المرئية- فإنه على ذلك - أيضاً - في المعقولات المقررة. والإحساسات ظلال العقول