للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تخلّف عن غزوة تبوك معاتباً بعد انصراف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك (١): إلَّا تنصروه بالنَفْر معه، فإنّ الله ناصره ومؤيده حتى ولو كانت الملحمة مع إمبراطورية الروم، والمسلمون من قلة، والأيام من أشدّ الأوقات حرّاً في الصيف. لقد نصره ربه من قبل في أحلك الأوقات يوم خرج وحده فقيراً، شريداً، مطلوباً رأسه بعد أمرٍ دُبِّرَ بليل، فنصره الله، وصاحبَهُ رجل الصدق والوفاء أبا بكر، فأين كنتم يومئذ؟ ثم أين استجممتم أيُّها المتخلفون يوم تبوك؟ ألم آخذ بيده إلى برّ الأمان. يقول العلماء: هذه الآية في فضائل الصدّيق - رضي الله عنه - وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، ذلك أنهما بعد أن خرجا من فتحة في ظهر بيت أبي بكر، توجَّها إلى الغار دونما إبطاء، فكان أبو بكر يمشي بين يديه ساعة، ومن خلفه ساعة، فسأله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فأجابه:

أذكرُ الطلب فأمشي خلفك، وأذكر الرصد فأمشي أمامك.

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستفهماً: لو كان شيءٌ أَحبَبْتَ أن تُقْتَلَ دوني؟

فأجابه بلا تردّد: إي والذي بعثك بالحق.

لقد كان أبو بكر - رضي الله عنه - في ذروة الإخلاص والفداء، وما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصحب معه غير هذا الصنف من الرجال في هجرة يترتب على نجاحها المضيُّ في أمانة الدعوة الإسلامية إلى غايتها، وعلى إخناقها خنق حقيقة الإسلام إلى يوم الدين.

ولقد توّج الصدّيق وفاءه الاستبساليَّ لحظة أن انتهيا إلى الغار حيث وقف على بابه يخاطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغة الحرص: مكانَكَ يا رسول الله حتى استبرئ لك الغار. قال: فاستبرأه (٢).


(١) تفسير القرطبي جـ ٨ صـ ١٣٣.
(٢) دلائل النبوة للبيهقي. انظر فتح الباري جـ ٧ صـ ٢٩٦.

<<  <   >  >>