للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إن مغامرة الاستكشاف والتطهير لغار ثور هي عملية استشهادية بكل المقاييس، لأن الدخول إلى الغار يومها كان زحفاً ـ كما مر ـ فالولوج إليه مع انخفاض بابه وضيقه (١)، واحتمال وجود حيوان يؤذي من نحو حية وعقرب في منطقة نائية صعبة المرتقى في أعلى جبلٍ من جبال مكة الجرداء، قد يؤدي الاستبراء فيه إلى الذهاب بحياة أبي بكر - رضي الله عنه - في أية لحظة، ومع ذلك فقد أصرَّ وصدق وفعل المهمة التي لا يُقبل عليها إلا الخُلَّص من الرجال.

نعم، إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُحيط بثلة من الرجال الصادقين لن تجد لهم في الدنيا نظيراً، من هؤلاء سيدنا عليُّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه الذي اختارته يد العناية الإلهية لمهمة أخرى متممة لمهمة أبي بكر في الإخلاص والاستبسال حين أمر جبريل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يبيت في فراشه تلك الليلة فدعا علياً وأمره أن يبيت في الفراش، ويُسجِّي نفسه ببُرْد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأخضر حتى يورّي عنه عيون المشركين الذين وقفوا على بابه يحرسونه يحسبونه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٢).

رقد عليٌ في الفراش وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين الشباب المندَبين لجريمة اغتياله رجاء أن يضيع دمه الشريف بين القبائل.

خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه حفنة من تراب، فجعل ينثرها على رؤوس رجال الكتيبة المسلحة التي وقفت ترصده بعد أن طمس الله على أبصارهم، وغَشيَهم النوم، وهو يقرأ عليهم من صدر سورة يس إلى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (٩)} [يس: ٩] (٣).


(١) نفس المرجع والجزء صـ ١٥.
(٢) هذا من زيادة رواية ابن إسحاق. انظر نفس المرجع والجزء صـ ٢٩٥.
(٣) فتح الباري جـ ٧ صـ ٢٩٥.

<<  <   >  >>