للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويكون قد اجتمع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الخروج معجزتان ليستيقنوا صدق النبوة، وضآلة من يقف في وجه أمرٍ قدّره الله وقضاه:

المعجزة الأولى استغراقهم في نوم غلب عليهم جميعاً دون استثناء واحد منهم.

المعجزة الثانية وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب على رؤوس المشركين ونثره نثراً ليتأكدوا أنه مرَّ من هنا، ولولا أنه نبي ما كان له ذلك وهم الذين أحكموا القبضة على مداخل داره، بقوة السلام.

إنهما بطلان مستبسلان كل منهما يذود عن النبي والنبوة ابتغاء مرضاة الله، ولو ذهبت روحه فداء ذلك (١).

في المشهد الأول قتلةٌ وظفتهم العادات والتقاليد البالية، والعقائد الفاسدة ليثأروا من هذا النبي الذي بُعث مسفهاً لموروثات الجاهلية، يحمل في يدٍ مشعل العلم والنور ليضيء للتائهين دروب النجاة، وفي يدٍ المعجزة الإلهية الناطقة بصدقه التي يعجز عن مثلها البشر جميعاً ولو اجتمعوا لها.

وفي المشهد الثاني اندفاع من هؤلاء القتلة ومن لفّ لفّهم بحثاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقتله وتصل طلائع إجرامهم إلى فم الغار.


(١) في رقود علي في فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من مقصد حضاري تتعلم منه الأمة، فمن جانب هو درس في الأخذ بالأسباب؛ لأن المشركين يحسبون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فراشه فيطمئنون ولا يبحثون عنه بينما يكون قد اتخذ طريق الأمان في غياب عيونهم التي تتربص به سوءاً.
المقصد الآخر هو تعريض عليّ روحه للموت وسيأتي.
المقصد الثالث هو أداء الأمانات للمشركين؛ لأنهم رغم عدائهم للحبيب ما كانوا يجدون أحداً يأمنون عنده على أماناتهم خيراً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذا مشهد من مشاهد الحضارة الإسلامية الناطقة في ساحة السيرة النبوية، وهي أنه لم يستبحْ أموالهم التي بين يديه مع أنهم استباحوا دمه، كما أنه لم يُرقْ لهم دماً عندما غشيهم النوم، وبأيديهم أسلحة الجريمةفهل في الدنيا أعظم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <   >  >>