وفي السنة الحادية عشرة للهجرة من البعثة المحمدية، عرض نفسه على القبائل شأنه في كل عام، يتلاطف معهم ويقول:«يا أيها الناس قولوا لا إله إلَّا الله تفلحوا وتملكوا .. »، فبينما هو كذلك إذ لقي عند العقبة في منى رهطاً (١) من الخزرج أراد الله بهم الخير، فسألهم:
من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج.
قال: أمن موالي يهود. قالوا: نعم.
قال: أفلا تجلسون أكلمكم، قالوا: بلى، قال: فجلسوا معه فدعاهم إلى الله
عزَّ وجلَّ وتلا عليهم القرآن فآمنوا.
قال أستاذنا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي:«وكان مما مهد أفئدتهم لقبول الإسلام أن اليهود كانوا معهم في بلادهم، ومعلوم أنهم أهل كتاب وعلم، فكان إذا وقع بينهم وبين اليهود نفرة أو قتال، قال لهم اليهود: إن نبيَّاً مبعوث الآن قد أطلَّ زمانه، سنتَّبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم!
فلما كلم الرسول هؤلاء النفر، ودعاهم إلى الإسلام، نظر بعضهم إلى بعض وقالوا: «تعلمون والله إنه للنبيُّ الذي توعَّدَكم به يهود، فلا يسبقنّكم إليه».
فأجابوه إلى ما دعاهم إليه من الإسلام، وقالوا: إنّا تركنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشرّ ما بينهم، فعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم
(١) كانوا ستة: أسعد بن زرارة، وعوض بن الحارث، ورافع بن مالك، وقطبة بن عامر، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله.