وفي العام التالي عاد الداعية الإسلامي مصعب بن عمير ومعه ثمرة عام كامل من الدعوة إلى الله تعالى وهو لا يحمل معه إِلَّا القليل من العلم، وهو ما يؤكد أن الدعوة الإسلامية وظيفة كل مسلم لا تختص بما يسمّى خطأ رجال دين، ولا تقتصر على العلماء، الذين لهم إلى جانب هذه الوظيفة العامة مهامٌ أخرى من تبصير الناس بشرائع دينهم، وضبط إيقاع الدعاة على إسقاط الشريعة.
وفي موسم الحج للعام الثالث عشر من بدء الدعوة واعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أواسط أيام التشريق ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتان، ناموا في رحالهم مع قومهم المشركين الذين استخفوا بهم منذ بدء الرحلة من المدينة، فلما مضى ثلث الليل خرج الجمع الطاهر متسللاً إلى موعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي جاء بصحبة عمه العباس بن عبد المطلب، فتكلم القوم وقالوا بعزيمة وصدق: خذ منا لنفسك ولربك ما أحببت .. فتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغّب في الإسلام، ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم.
فقام البراء بن معرور فأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال:
نعم، والذي بعثك بالحق نبيّاً لنمنعنَّك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة (١) ورثناها كابراً عن كابر.
أثناء هذا الكلام قام أبو الهيثم بن التّيهان مقاطعاً البراء ومستدركاً:
يا رسول الله، إنّ بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ .
فأجابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبتسماً: بل الدمَ الدمَ والهدمَ الهدمَ، أنا منكم، وأنتم