«ذلك أن حقيقة (الوحي) هي الفيصل الوحيد بين الإنسان الذي يفكّر من عنده، ويشرّع بواسطة رأيه وعقله، والإنسان الذي يبلّغ عن ربه دون أن يغيّر أو ينقص أو يزيد».
«ومن أجل هذه الغاية، أخذ محترفوا الغزو الفكري، يحاولون تأويل ظاهرة الوحي، وتحريفها عما يرويه لنا المؤرخون، وتحدّث به صحاح السنة الشريفة .. ».
«ونحن حينما ننظر إلى مثل هذه التمحّلات العجيبة التي لا يرى العاقل مسوِّغاً لها إلا التهرّب من الإقرار بنبوّته عليه الصلاة والسلام، ندرك في جلاء ووضوح الحكمة الإلهية الباهرة من بدء نزول الوحي عليه - صلى الله عليه وسلم - بهذه الطريقة التي استعرضناها الآن في حديث الإمام البخاري.
لماذا رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل بعيني رأسه لأوّل مرة، وقد كان بالإمكان أن يكون الوحيُ من وراء حجاب؟
لماذا قذف الله في قلبه عليه الصلاة والسلام الرعبَ منه والحيرة في فهم حقيقته، وقد كان ظاهر محبة الله لرسوله وحفظه له يقتضي أن يلقي السكينة في قلبه، ويربط على فؤاده فلا يخاف ولا يرتعد؟
لماذا خشي على نفسه أن يكون هذا الذي تمثّل له في الغار آتياً من الجن، ولم يرجح على ذلك أن يكون ملكاً أميناً من عند الله؟
لماذا انفصل الوحي عنه بعد ذلك مدة طويلة، وجزع النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب ذلك جزعاً عظيماً حتى إنه كان يحاول ـ كما يروي الإمام البخاري ـ أن يتردى من شواهق الجبال؟
هذه أسئلة طبيعية بالنسبة للشكل الذي ابتدأ به الوحي، ولدى التفكير في