للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال: ثم زجرها فوثبت: أي بعد أن ظنوا أولاً أنها خلأت، وفي هذا تأكيد أنها عندما بركت فإنما فعلت ذلك بأمرِ الله إشارةً منها إلى ما لم تنتبه له العقول، وأنها بمجرد وصول الرسالة عادت تستجيب للزجر فقامت من جديد.

بعد الوثوب عدل بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن ورائه قافلة ضيوف الرحمن، حتى نزل بأقصى الحديبية على حُفَيرة فيها ماء مثمود، أي قليل فلم يلبث الناس حتى نزحوه، وشكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العطش، فانتزع سهماً من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه (١).

وفي رواية أنهم نزلوا يوم الحديبية على بئر فنزحوها، فأتَوْا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتى البئر، وقعد على شفيرها، ثم قال: ائتوني بدلومن ما ئها، فأُتيَ به، فبصق، فدعا، ثم قال: دعوها ساعة. فأَرْوَوْا أَنفسهم ورِكابهم حتى ارتحلوا (٢).

وفي رواية أن الناس عطشوا يوم الحديبية، وبين رسول الله رَكْوَةٌ، فتوضأ منها، ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مالكم؟ قالوا: يا رسول الله، ليس عندنا ماء نتوضأ به، ولا نشربُ إلّا ما في رَكْوَتك. قال: فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده في الرَّكْوَة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، قال: فشربنا وتوَضَّأنا (٣).

هذه الروايات جمع بعض العلماء بينها بأَنَّ ذلك وقع أكثر من مرة (٤)، وبأَنّ حديث نبع الماء من بين أصابعه - صلى الله عليه وسلم -، والذي يرويه جابر كان حين حضرت صلاة


(١) صحيح البخاري في كتاب الشروط برقم (٢٧٣١) ... و (٢٧٣٢).
(٢) صحيح البخاري في كتاب المغازي برقم (٤١٥١).
(٣) صحيح البخاري في المغزي برقم (٤١٥٢).
(٤) نقل ذلك العلامة ابن حجر العسقلاني في فتح الباري عن الإمام ابن حِبَّان جـ ٧ صـ ٥٥١.

<<  <   >  >>