لكنّ الرسول الخاتم ينطق بالمبادئ الأساسية لأمته، لتتعلم أن لا تفريط في ثوابت الشريعة، ومقدساتها، ومن ذلك البيت ساحة الإسراء، والأقصى فضاء المعراج، والمسجد النبوي أحد المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها رحال المسلمين.
قال - صلى الله عليه وسلم - ما يقدم لنا الجانب الآخر الذي تتكامل به الشخصية الصحيحة للحاج والمعتمر:
وإنّ قريشاً قد أنهكتهم الحرب، وأضرّت بهم، فإنْ شاؤوا ما دَدْتُهم مدة ويخلّوا بيني وبين الناس، فإنْ أظْهَرْ فإنْ شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلَّا فقد جَمُّوْا (استراحوا)، وإن هم أبَوْا فو الذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي (١)، ولينفذنّ الله أمره».
فقال بديل: سأبلغهم ما تقول: فانطلق بديل فحدّث قريشاً بما سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام عروة بن مسعود يعرض على المشركين أن يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكلمهم في تفصيل ما جاء به بديل بن ورقاء. فقالوا له: دونك فاذهب.
ذهب عروة فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جولة أخرى بمثل ما كلمه به بديل، لكن قال له عروة: أرأَيْتَ إن استأصلتَ أمرَ قومك، هل سمعتَ بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك».
(١) السالفة صفحة العنق، وكنّى بذلك عن القتل؛ لأن القتيل تنفرد مقدمة عنقه. قال العلامة ابن حجر العسقلاني في موضعه ص ٤١٥: «وقال الداوُدي: المراد الموت، أي حتى أموت وأبقى منفرداً في قبري. ويحتمل أن يكون أراد أنه يقاتل حتى ينفرد وحده في مقاتلتهم». وقال ابن المثير: لعله - صلى الله عليه وسلم - نَبَه بالأدنى على الأعلى، أي إنّ لي من القوة بالله والحول به ما يقتضي أن أُقاتل عن دينه لو انفردتُ، فكيف لا أقاتل عن دينه مع وجود المسلمين وكثرتهم ونفاذ بصائرهم في نصر دين الله تعالى».