للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذا هو الاحتمال الأول للصورة التي ستؤول إليها الأمور، أما الاحتمال الآخر فقد عرضه بطريقة فيها شيء من التأدب، مع مكرٍ وخبث ودهاء في طبيعة ما ألقاه على مسامع المسلمين: «وإن تكن الأخرى، فإني والله لا أرى وجوهاً، وإني لأرى أشواباً من الناس خليقاً أن يفرُّوا ويدَعوك! ».

فلم يصرح له بالأخرى وهي أن تكون الغلبة لقريش، لكنه صرّح بشيء مسموم دسه في فؤاد هذا الكلام، وهو أنه لا يأمن على محمد - صلى الله عليه وسلم - من نكران أصحابه له إنْ غُلب؛ لأنهم حسب وصفه ليسوا بالوجوه التي تحفظ حق الصحبة، وتعرف قدر المتبوع! كلهم أشواب أي من أخلاط شتى (١)، حقيقاً (٢) أن يسلّموك إلى قدرك المحتوم حينئذ وينفضوا عنك.

وربما أشار هذا الكلام إلى العادة التي جرت في الجيوش في عرف تلك الأيام أن القوات المجمَّعة من قبائل وأصقاع شتى لا يؤمن عليها الفرار يوم الزحف، بخلاف المقاتلين المنتسبين إلى قبيلة واحدة؛ لأن التقاليد القبلية إنّ التقاليد تجعلهم يأنفون مثل هذا الخُلُقِ الذميم.

لمز عروة لهذا، دون أن ينتبه إلى أن الإسلام الذي خرج ضياء ينير الطريق في ظلام الجزيرة العربية وسائر أنحاء العالم، إنما جمع أتباعه من عرب وعجم، سادة وموالٍ، فقراء وأغنياء بداوةٍ وحضر، خلف محور جامع هو العقيدة


(١) قال العلامة ابن حجر العسقلاني: والأشواب الأخلاط من أنواع شتى، والأوباش، والأخلاط من السفلة، فالأوباش أخصّ من الأشواب. انظر نفس المرجع والجزء صـ ٤١٦ - ٤١٧.
(٢) حقيقاً هي تفسير للفظة خليقاً وزناً ومعنى. يقال: خليق للواحد والجمع، ولذلك وقع صفة لأشواب. اُنظر نفس المرجع والجزء والصفحة.

<<  <   >  >>