للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال: فلما فرغ من قضية الكتاب (١) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا.

قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات (٢) فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يا نبي الله: أتحبُّ ذلك؟ اخرُجْ، ثم لا تكلمْ أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدْنَك، وتدعو حالِقكَ فيحلقَكَ (٣).

قال: فخرج، فلم يُكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه (٤) ودعا حالقَهُ فحلقه فلما رأَوْا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد


(١) زاد ابن إسحاق: فلما فرغ الكتاب أشهد على الصلح رجالاً من المسلمين ورجالاً من المشركين. ومنهم أبو بكر وعمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن سهيل بن عمر ومِكْرَز بن حفص وهو مشرك.
(٢) الذهول من وقع ما حدث واستغراق التفكير فيه، ورؤية ما في هذا الصلح من نقاط الضعف ـ وذلك من حيث الظاهرـ وهم القادرون على صد المنع القرشي، وبلوغ قلب الحرم بالدماء والغلبة. كل هذا لم يكن بالشيء القليل وهم أبناء الحرم، وعلى أبوابه، قد قطعوا إليه مسافة طويلة محرمين ملبين. ثم يحتمل أنهم كانوا ينتظرون نسخ الحكم الشرعي بنحر البدن والتحلل بالإحصار، وربما حملوا الأمر على الندب، وربما اجتمع هذا كله في وجدانهم ومخيلتهم المشوشة فثبتوا في أرضهم لا يدرون ماذا يفعلون، رغم أن صوت نبيهم - صلى الله عليه وسلم - يأمرهم بالنحر والتحلل بالحلق، لكنهم عنه مشدوهون ومشدودون إلى ما يجول في خلدهم، غافلون عنه، وغارقون تحت وطء الصدمة. فالأمر ليس من باب الرفض أو التأبي أو التحدي، وسياق القصة يؤكد ذلك، وامتداح الله لهم فيما نزل بعد من آيات شاهد آخر، وسيأتي من كلام أمّ سلمة يؤيد قولي في الفقرة التالية مباشرة.
(٣) زاد ابن إسحاق: قالت أم سلمة: يا رسول الله: لا تكلمهم، فإنهم قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح.
(٤) وفي رواية هديه وعن مجاهد أنه بلغ سبعين، وأن فيه جملاً لأبي لهب كان قد غنمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بدر، أتى به ليغيظ المشركين.

<<  <   >  >>