هذا ما دار من أحداث على ثرى الحديبية والتي كان أبرزها الصلح الشهير الذي ينتسب إلى تلك البقعة الطيبة، والذي يحمل اسمها، إنه صلح الحديبية.
والصلح ـ بحد ذاته كان فتحاً عظيماً للمسلمين جميعاً، وصورة تحكي للأجيال المسلمة الفرق الواضح يبن خطي النبوة وتدبيرها، وترتيب الجهد الإنساني وحدوده، كما كان زلزالاً قوياً بالنسبة لمن حضر من المسلمين التوقيع على تلك المعاهدة التاريخية.
أما الفتح العظيم فقد جاء تجلياً واضحاً لتدبير الله عزَّ وجلَّ في هذا الكون، وترتيبه بيت هذا الصلح، في إظهار لعمل النبوة التي برزت خطواتها كما لم تبرز في أي مظهر آخر من قبل، حتى إنه كان مقدمة لكل ما جاء بعده من فتوحات، رغم ما كان يظهر على معالمه من سمات الذل والاستكانة والتقهقر والهوان، في صورة ظاهرة خفيت تدابيرها الإلهية اللطيفة على عامة المسلمين، وظهرت للبعض منهم فقط، لذلك قال الزهري:«فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم من فتح الحديبية، إنما كان القتال حيث التقى الناس، ولما كانت الهدنة ووضعت الحرب، وأمن الناس كلهم بعضهم بعضاً، والتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكن أحد بالإسلام يعقل شيئاً في تلك المدة إلّا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك، أو أكثر، يعني من صناديد قريش».
ولقد قال العلامة ابن حجر العسقلاني بعد أن ساق كلام الزهري هذا: «ومما ظهر من مصلحة الصلح المذكور غير ما ذكره الزهري أنه مقدمة بين يدي