للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الفتح الأعظم الذي دخل الناس عقبه في دين الله أفواجاً، وكانت الهدنة مفتاحاً لذلك ... ».

كما قال: «ولما كانت قصة الحديبية مقدمة للفتح سميت فتحاً كما سيأتي في المغازي فإن الفتح في اللغة فتح المغلق، والصلح كان مغلقاً حتى فتحه الله، وكان من أسباب فتحه صدُّ المسلمين عن البيت، وكان في الصورة الظاهرة ضيم للمسلمين، وفي الصورة الباطنة عِزٌّ لهم، فإنّ الناس لأجل الأمن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم ببعض من غير نكير، وأسمع المسلمون المشركين القرآن، وناظروهم على الإسلام جهرةً آمنين، وكانوا قبل ذلك لا يتكلمون عندهم إلّا خفية، وظهر من كان يخفي إسلامه، فذُلَّ المشركون من حيث أرادوا العزة، وأُقهروا من حيث أرادوا الغلبة» (١).

لذلك لا غرابة أن يسمي الله ما جرى من صلح الحديبية فتحاً، وأن ينزّل على قلب نبيه - صلى الله عليه وسلم - سورة في طريق العودة من مكة إلى المدينة، تحمل اسم الفتح، صدَّرها بقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)} [الفتح: ١].

عمل النبوة في مكنونها الخفي، وغيبها المطوي في علم الله وحده، هو الذي كان يقود تلك المسيرة آنذاك منذ أن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها.

فالوحي الإلهي هو الذي دعاه إلى تلك الخطة، وأخبره بها، ورسم محطاتها خطوة بعد خطوة.


(١) فتح الباري شرح صحيح البخاري جـ ٥ ص ٤٢٦ - ٤٢٧.

<<  <   >  >>