للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثم أخذت ملامح الأمر تتبدّى منذ أن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد انتصب في الطريق شخص سهيل بن عَمروـ: قد سَهُلَ الأمر عليكم وقد أرادت قريش الصلح حين بعثت هذا.

وفي تغاضي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تمسكه في تلك المعاهدة، عن بعض الأمور، أمام إصرار الطرف الآخر لوحةٌ أُخرى تنعكس عليها هذه الحقيقة؛ لأن وحي السماء كان يواكب رحلة الصلح منذ اللبنة الأولى لها، يزيل أي صعوبة تعرقل إتمام الوثيقة، لذلك لما طلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن توضع الحرب بين الفريقين، وأن تخلّيَ قريش بين المسلمين والبيت الحرام، ولما أبي سهيل ذلك، واعتذر بأنه لا يرضى أن تقول العرب: أنّا أُخذنا ضُغْطة أي قهراً فإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتنازل عن هذا الشرط، ويرضي بقول سهيل، رغم أن أصحابه خرجوا معه من المدينة المنورة لأداء العمرة عامهم ذاك، وهم الذين تحمَّلوا لأجلها مشاقَّ السفر، وألم الغربة، ومصاعب الإحرام، ثم ها هو البيت على مرمى نظرهم، أو يزيد، وهاهم يقبلون الهدنة، وتضع الحرب أوزارها سنين عديدة، فعلاً تم التأجيل؟ هذا ما لم يدركه فهم الصحابة الكرام؛ لأنه مما يخفي على كل إنسان إلّا إن نظر بعين النبوة، لأنها تبصر بيد العناية الإلهية التي ترى ما لا يراه الناس، فهي التي كانت تضع اللمسات الأخيرة لكل فقرة من فقرات الصلح، ليرى المسلمون، وتدرك أجيالهم الفرق الشاسع بين الوحي وتعليماته، والمسيرة البشرية ومعطياتها.

قبل هذا الموقف المؤثر كان رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام قد استجاب لامتناع سهيل هذا عن كتابة بسم الله الرحمن الرحيم، إلى تصدير الوثيقة بالعبارة التي كانت سائدة آنذاك: باسمك اللهمّ.

<<  <   >  >>