للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

سؤاله ومجيئه وذهابه كأنه الناطق باسمهم لما عرف عنه من الغيرة والطرجة ويتوجه لسان النبوة إلى أبي جندل بالتوجيه الدقيق التالي:

يا أبا جندل، اصبر واحتسبْ، فإنّا لا نغدر، وإن الله جاعلٌ لك فرجاً ومخرجاً.

وفي تعقيبه على هذه القصة يقول أستاذنا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: «إن أمر هذا الصلح كان مظهراً لتدبير إلهي محض تجلى فيه عمل النبوة وأثرها كما لم يتجلى في أي عمل أو تدبير آخر. فقد كان نجاحه سراً مرتبطاً بمكنون الغيب المطوي في علم الله وحده ولذلك انتزع كما ـ قد رأيت ـ دهشة المسلمين أكثر مما اعتمد على فكرهم وتدبيرهم، ومن هنا فإنّا نعتبر أمر هذا الصلح بمقدماته ومضمونه ونتائجه من الأسس الهامة في تقويم العقيدة الإسلامية وتثبيتها.

ولنتحدث أولاً عن طرف من الحكم الإلهية العظيمة التي تضمنها هذا الصلح والتي تجلت للعيان فيما بعد، حتى أضحت آيةً من آيات الله الباهرة، ثم نتحدث بعد ذلك عن الأحكام الشرعية التي تضمنتها وقائع هذا الصلح.

فمن الحكم الباهرة أن صلح الحديبية كانت مقدمة بين يدي فتح مكة فقد كانت هذه الهدنة كما يقول ابن القيم باباً له ومفتاحاً. وتلك هي عادة الله سبحانه وتعالى، يوطئ بين يدي الأمور التي تعلقت إرادته بإنجازها، مقدمات تؤذن بها وتدلُّ عليها.

ولئن لم يكن المسلمون قد تنبهوا لهذا في حينه، فذلك لأن المستقبل غائبٌ عنهم، فآن لهم أن يفهموا علاقة الواقع الذي رأوه بالغيب الذي لم يتصوروه بعد؟

<<  <   >  >>