للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وزمزم (١) وسواها كثير من مواقع الطهر والرحمة.

ومن الوسائل التي مارسها الإسلام في تهيئة المسلم حاجّاً أو معتمراً لدخول مكة، أن أقام له في الطريق المواقيت، وألزمه بالإحرام، وحظّر عليه قائمة من المباحات التي صارت بإحرامه غير جائزة، وذلك على بعدٍ يمتد من عشرات الكيلومترات إلى مئاتٍ منها، حسب الميقات، وفي هذا خطوة رائدة من الركن الخامس لتثقيف المسلم قبل الوصول إلى مكة، من خلال هذه اللَّفتة التي تهز المحرم أن تهيَّأْ واستعدَّ فأنت قادم على مكّة التي لا توجد مدينة في الدنيا مثلها، ولا يَسْتَقبلُ إنسان بقعة في الوجود كله على نحوها، وهو ما يورث تفاعلاً في كيان المسلم يجعله أكثر إحساساً بالمعاني الحضارية التي تبدأ بالتوارد على فكره وقلبه، فيصطبغ بها سلوكه، في حقيقة يتراجع عن رصدها البيان. نعم يستشعر أحدنا منذ إحرامه بالميقات خشيةً بين يدي مولاه، وتسليماً لأمره، واستحضاراً لذكرى الموت والبلى، وتواضعاً لرب العالمين، ولعباده المسالمين، وهو يرتدي ثوب الأكفان الذي يجرده من كل شيء إلا العمل الصالح، في تشبيه بليغ بلحظة يخلد فيها إلى الموت في قبر تتبخر فيه كل الزخارف الدنيوية حين يذهب الأهل والجاه، ولا يؤنس المرء هناك إلَّا ما أخلصه من عملٍ صالح لمن لا تضيع عنده الودائع.

ومع بدء العدّ العكسي لدخول مكّة يخفق القلب، وتصفو المشاعر، وتتبلور الأفكار حين تسكب العبرات فرحاً بالوصول الموفق، حيث تحضر بقوة


(١) زمزم آية من آيات الله، وهي تفيض أكثر من ستين ألف ليتر في الساعة، وهي ماء حير الباحثين لغزير فوائده، ثم لم يعرف مصدره بعد لكن الأنفاق الشعرية وغير الشعرية الممتدة إلى مكة تثبت أن مصادره مختلفة.

<<  <   >  >>