للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن تخلّف قدحاه فلا شيء له. فقالوا: أنصفت. فجعل قدحين أصفرين للكعبة، وقدحين أسودين لعبد المطلب، وقدحين أبيضين لقريش، ثم أعطوها صاحب القداح الذى يضرب بها عند هبل، وقام عبد المطلب يدعو وصاحب القداح يضرب بها، فخرج الأصفران على الغزالين، وخرج الأسودان على الأسياف والأدراع، وتخلف قدحا قريش، فضرب عبد المطلب الأسياف بابا للكعبة، وضرب في الباب الغزالين، فكان أوّل ذهب حلّيته الكعبة.

و «هبل» بضم الهاء وفتح الباء: صنم اتخذته قريش علي بئر في جوف الكعبة، وكانت تلك البئر هى التى تجمع فيها ما يهدى للكعبة، وكان عنده قداح سبعة، كل قدح منها فيه كتاب: قدح فيه العقل «١» إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم، ضربوا بالقداح السبعة، فإن خرج العقل، فعلى من خرج حمله. وقدح فيه: «نعم» للأمر، إذا أرادوه، يضرب به في القداح، فإن خرج قدح: نعم، عملوا به. وقدح فيه «لا» إذا أرادوا الأمر ضربوا به في القداح؛ فإذا خرج ذلك القدح لم يفعلوا ذلك الأمر، وقدح فيه «منكم» ، وقدح فيه «ملصق» ، وقدح فيه «من غيركم» ، وقدح فيه المياه، إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك القدح فحيثما خرج عملوا به، وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاما أو ينكحوا منكحا أو يدفنوا ميتا أو شكّوا في نسب أحدهم، ذهبوا به إلى هبل وبمائة درهم وجزور، فأعطوها صاحب القداح الذى يضرب بها، ثم قرّبوا صاحبهم الذى يريدون به ما يريدون، ثمّ قالوا: يا إلهنا، هذا فلان ابن فلان قد أردنا به كذا وكذا فأخرج لنا الحقّ فيه، ثم يقولون لصاحب القداح: اضرب، فإن خرج عليه «منكم» كان منهم وسيطا، وإن خرج عليه «من غيركم» كان حليفا، وإن خرج عليه «ملصق» كان على منزلته فيهم؛ لا نسب له ولا حلف، وإن خرج في شيء مما سوى هذا ممّا يعملون به «نعم» عملوا به. وإن خرج «لا» أخّروه عامه ذلك، حتى يأتوا به مرة أخرى، ينتهون في أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح. هذا ما ذكره ابن هشام.

والذى ذكره غيره، أنهم كانوا إذا قصدوا فعلا ضربوا ثلاثة أقداح مكتوب على


(١) هو ما تدفعه قبيلة القاتل دية للمقتول، وسمى عقلا لأنه يعقل أى يمنع القبائل عن أن يعتدى بعضها على بعض، والقبيلة تسمّى عاقلة لذلك.