للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحب إليك أم مائة من تلاد إبلى؟ (وتليد المال وتلاده: قديمه ونفيسه) فخرجت القداح على عبد الله، ولم يزل يزيد عشرا عشرا حتّى بلغت الإبل مائة، فخرجت القداح على الإبل، ففداه بمائة من الإبل، ولذلك صارت الدية مائة من الإبل، فنحرت المائة كلها، وتركت لا يصدّ عنها إنسان ولا طائر ولا سبع، وأوّل من سنّ الدية مائة من الإبل عبد المطلب، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم: «أنا ابن الذبيحين» «١» ويعني بهما والده عبد الله وجدّه إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وروى الحاكم أنّ أعرابيا قال للنبى صلّى الله عليه وسلّم: «يا ابن الذبيحين» فتبسم ولم ينكر عليه «٢» .

فدخول عبد المطلب بالقداح على هبل ودفعها إلى القيّم، وإقباله على إساف ونائلة قصدا للتذكية والذبح، كل هذا لا يقدح في تبرئته من عبادة الأصنام، فهذه الحركات الصادرة من قبيل العوائد لا العقائد، بدليل قوله: «اللهم إنى نذرت لك نحر أحدهم، وإنى أقرع بينهم فأصب بذلك من شئت» فإن هذا أدلّ دليل على اعترافه بالألوهية مع ما ينقل عنه أنه كان مجاب الدعوة، محرّم الخمر على نفسه، وأنه أوّل من تحنّث بحراء، وكان إذا استهل رمضان صعده وأطعم المساكين، وكان يرفع من مائدته للطير والوحوش في رؤوس الجبال. وذكر ابن اسحق أن عبد المطلب وجد في زمزم غزالين من ذهب، وهما الغزالان اللذان دفنتهما جرهم حين خرجت، ووجد فيها أسيافا قلعية «٣» وأدراعا، فقالت له قريش: يا عبد المطلب لنا معك في هذا شرك وحق، قال: لا، ولكن هلموا إلى أمر نصف بينى وبينكم، يضرب عليها القداح، قالوا: وكيف تصنع؟ قال: أجعل للكعبة قدحين، ولى قدحين، ولكم قدحين، فمن خرج قدحاه على شيء كان له،


(١) أورده الزمخشرى في الكشاف في تفسير قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ.
(٢) انظر المقاصد الحسنة للسخاوى ص ١٤ حديث رقم ١٣، والسيرة الحلبية. ومما يؤيد أن الذبيح إسماعيل قوله تعالى في سورة الصافات بعد سرد قصة الذبح وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ فالواو تفيد المغايرة، أى تفيد أن الذى حدثت له قصة الذبح أحد اثنين، والمبشر بنبوته وصلاحه هو الاخر. وكلام بعض المفسرين الذين ذهبوا إلى أن الذبيح إسحاق يخالف اللغة التى هي أصل من أصول التفسير، والله تعالى أعلم.
(٣) القلعية نسبة للقلعة، وهى بلد بالهند ينسب إليها الرصاص والسيوف (هامش الأصل) .