ولما حفر عبد المطلب زمزم ودلّه الله عليها وخصّه بما زاده بها خطرا وشرفا فى قومه، وعطلت كلّ سقاية كانت بمكة حين ظهرت، وأقبل الناس عليها لالتماس بركتها، ومعرفة فضلها لمكانها من البيت، وأنها سقاية الله عز وجل لإسماعيل عليه السلام، وتكامل بنوه عشرة، وقرّت عينه بهم، نام ليلة عند الكعبة فرأى في المنام قائلا يقول: يا عبد المطلب أوف بنذرك لرب هذا البيت.
فاستيقظ فزعا، وأمر بذبح كبش وأطعمه للفقراء والمساكين، ثم نام فرأي: أن قرّب ما هو أكبر من ذلك، فانتبه وقرّب جملا وأطعمه للمساكين، ثم نام فنودي أن قرّب ما هو أكبر من ذلك، فقال: وما هو أكبر من ذلك؟ فقيل له: أحد أولادك الذى نذرته، فاغتمّ غما شديدا، وجمع أولاده وأخبرهم بذلك، وطلب منهم الوفاء بالنذر، فأطاعوه، وقالوا: كيف نصنع قال: ليأخذ كل واحد منكم قدحا (بكسر القاف أى سهما بغير نصل) وليكتب اسمه عليه ثم ليأتنى به، ففعلوا، ثم أتوه فدخل بهم على هبل، فدفع عبد المطلب القداح إلى القيّم، فلما أخذ ليضرب قام عبد المطلب عند الكعبة يدعو الله، ويقول: اللهم إنى نذرت لك نحر أحدهم، وإنى أقرع بينهم، فأصب بذلك من شئت. ثم ضرب السادن القدح فخرج القدح علي عبد الله، وكان أحبّ ولده إليه، فقبض عبد المطلب يده عليه وأخذ الشفرة وأقبل به إلى إساف ونائلة (صنمين عند الكعبة تذبح عندهم الهدايا) فقام إليه سادة قريش من أنديتها، وقالوا له: ما تريد أن تصنع؟ قال: أو في بنذري، فقالوا:
لا ندعك تذبحه حتّى تعذر فيه إلى ربك، ولئن فعلت هذا لا يزال الرجل يأتى بابنه فيذبحه ويكون سنّة، ولكن انطلق به إلى قطية الكاهنة (والكاهنة التى تخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان وتدّعى معرفة الأسرار) وقيل: اسمها سجاح (على ما ذكر ابن إسحاق) ، فلعلها أن تأمرك بأمر فيه فرج لك. فانطلقوا حتّى أتوها بخيبر، وقصّ عبد المطلب عليها القصة، فقالت لهم: كم الدية فيكم؟
فقالوا: عشرة من الإبل، فقالت: فارجعوا إلى بلادكم، ثم قرّبوا صاحبكم، وقرّبوا عشرة من الإبل، ثم اضربوا عليه وعليها القداح، فإن خرجت القداح على صاحبكم فزيدوا في الإبل عشرة أخرى، وهكذا حتّى يرضى ربكم ويخلص صاحبكم، فإذا خرجت علي الإبل فانحروها، فقد رضى ربكم ونجا صاحبكم.
فرجع القوم إلى مكة وقرّبوا عبد الله وعشرة من الإبل، وقام عبد المطلب يدعو فقال: اللهم أهو أحب إليك أم مائة من الإبل؟ والذى في «الإمتاع» : اللهم أهو