وقوله «حلالك» قال الخشني: بكسر الحاء المهملة جمع حلة وهي جماعة البيوت، والذى في النهاية «الحلال» بالكسر: القوم المقيمون المتجاورون، يريد بهم سكان الحرم، وقوله «ومحالهم» بكسر الميم: القوة والشدة، وقوله «غدوا» بالغين المعجمة: هو أصل الغد، وهو اليوم الذى يأتى بعد يومك، فحذفت لامه، ولم يستعمل تامّا إلا في الشعر، ولم يرد عبد المطلب الغد بعينه، وإنما أراد القريب من الزمان.
ولا يشكل علي ذلك قصة الذبيح؛ فإنّ النذر لا يقتضى عدم الإيمان، ولا عدم نجاة أهل الفترة، وكذلك إرادة الذبح عند الأصنام الموجودة في الكعبة، فإنّ هذه محض عوائد لا عقائد، كما سيأتى ذكره.
وبيانها أن عبد المطلب لما أراد حفر زمزم منعته قريش منه، واذاه بعض سفائهم، ولم يكن له ولد إلا الحارث، فنذر لئن جاء له عشرة بنين وصاروا له أعوانا ليذبحن أحدهم قربانا لله تعالى عند الكعبة.
وقيل: سبب ذلك إنّ عدى بن نوفل بن عبد مناف (أبو المطعم) قال: يا عبد المطلب أتستطيل علينا وأنت فذّ لا ولد لك؟! فقال عبد المطلب: أتقول هذا، وإنما كان نوفل أبوك في حجر هاشم! فقال عدي: فأنت أيضا كنت عند أخوالك من بنى النجار حتّى ردّك عمك المطلب، قال: أبا لقلة تعيّرنى!؟ فو الله لئن اتانى الله عشرة من الولد ... إلى اخره.
واحتفر عبد المطلب زمزم هو والحارث، فكانت له فخرا وعزّا، وكثر أولاده.
واختلف في عدد أولاد عبد المطلب؛ فقيل: ثلاثة عشر، وقيل اثنا عشر، وقيل عشرة، وقيل تسعة. فمن قال ثلاثة عشر، قال هم: الحارث، وأبو طالب، والزبير، وعبد الكعبة، وحمزة، والعباس، والمقوّم، وحجل، وضرار، وقثم، وأبو لهب، والغيداق، فهؤلاء اثنا عشر، وعبد الله أبو النبى صلّى الله عليه وسلّم الثالث عشر.
ومن جعلهم عشرة: أسقط عبد الكعبة وقال: هو المقوّم، وجعل الغيداق وحجلا وضرارا واحدا، ومن جعلهم تسعة أسقط قثم أيضا، وقد أسلم حمزة والعباس، وأن أبا لهب وأبا طالب أدركا النبوة فمات أبو لهب على دين قومه، وذهب الأكثرون إلى أن أبا طالب مات أيضا علي دين قومه.