للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يبعد على من أنجى به الثقلين «١» أن ينجى به الأبوين، ولا عبرة باحتجاج المنكر في هذا المقام العظيم، بأنه نزل فيهما: وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ [البقرة: ١١٩] فقد تقرر في علوم الحديث أن سبب النزول حكمه حكم الحديث المرفوع، لا يقبل منه إلا الصحيح المتصل الإسناد، لا الضعيف ولا المقطوع، وسبب النزول لا يعرف له (كما قال السيوطي) إسناد صحيح متصل، ولا ينكر ذلك أحد من المحدثّين، مع ما ينضم إلى ذلك من بلاغة الخطاب، وأن الايات من قبل ومن بعد كلها في أهل الكتاب، فدلّت الاية علي أن المراد بأصحاب الجحيم كفار أهل الكتاب، ويؤيد ذلك أن السورة مدنية، خوطب فيها من بنى إسرائيل الذرية، وأكثر ما خوطب فيها اليهود الناقضون ما في التوراة من العهود، على أنه قد قيل بصحة الأحاديث الدالّة على أن العرب لم يكفر منهم أحد من عهد إبراهيم إلى عهد عمرو بن لحيّ الخزاعيّ، فهو أوّل من عبد الأصنام وغيّر دين إبراهيم عليه السلام، وراه النبى صلّى الله عليه وسلّم بسبب ذلك يجرّ قصبه فى النار، أى أمعاءه. وقد أخرج ابن حبيب في تاريخه عن ابن عباس قال:

«كان عدنان ومعد وربيعة ومضر وخزيمة وأسد على ملة إبراهيم؛ فلا تذكروهم إلا بخير» . وفي الروض الأنف «لا تسبّوا إلياس فإنه كان مؤمنا» وفي دلائل النبوة لأبى نعيم أن كعب بن لؤى أوصى ولده بالإيمان بالنبي، قاله السيوطي، وقال أيضا: «وأما كلاب وقصىّ وعبد مناف وهاشم فلم أظفر فيهم بنقل جازم» .

وأما عبد المطلب ففيه خلاف «٢» والأشبه أنه من أهل الفترة، وممن لم تبلغه الدعوة، وقد استشهد القبيل القائل بإيمانه بقوله في قصة أصحاب الفيل:

لا همّ إنّ المرء يمنع ... حلّه فامنع حلالك

لا يغلبنّ صليبهم ومح ... الهم غدوا محالك

جرّوا جموع بلادهم ... والفيل كي يسبوا عيالك

عمدوا حماك بكيدهم ... جهلا وما رقبوا جلالك

إن كنت تاركهم وكع ... بتنا فأمر ما بدا لك


(١) الإنس والجن.
(٢) جاء عن ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يبعث جدى عبد المطلب في زى الملوك وأبهة الأشراف» كذا من السيرة الحلبية.