للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالأجزاء الترابية التي هى محل الأرجاس وعنصر الأكدار: الإيماء إلى أن الوقت يصفو له ولأمته، ويروق لشريعته الغرّاء وسنته، والإشارة إلى ثلوج صدره، أى انشراحه بالنصر على أعدائه والظفر بهم، والإيذان ببرودة قلبه (أى طمأنينته على أمته بالمغفرة لهم والتجاوز عن سيئاتهم) . وقال ابن دحية: «إنما غسل قلبه بالثلج؛ لما يشعر به الثلج من ثلج اليقين إلى قلبه» . وقد كان صلّى الله عليه وسلّم يقول بين التكبير والقراءة: «اللهم اغسلنى من خطاياى بالثلج والبرد» «١» خصّهما بالذكر تأكيدا للطهارة ومبالغة فيها، لأنهما ما ان مفطوران على خلقتهما لم يستعملا ولم تنلهما الأيدي، ولم تخضهما الأرجل كسائر المياه التي خالطت التراب وجرت في الأنهار وجمعت في الحياض، فكانا أحقّ بكمال الطهارة. وأراد تعالى أن يغسل قلبه بماء حمل من الجنة، وطست مليء حكمة وإيمانا؛ ليعرف قلبه طيب الجنة ويجد حلاوتها؛ فيكون في الدنيا أزهد، وعلى دعوة الخلق إلى الجنة أحرص، ولأنه كان له أعداء يتقوّلون عليه، فأراد الله تعالى أن ينفى عنه طبع البشرية من ضيق الصدر وسوء مقالات الأعداء، فغسل قلبه ليورث ذلك صدره سعة ويفارقه الضيق كما قال تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ [الحجر: ٩٧] ؛ فغسل قلبه غير مرة، فصار بحيث إذا ضرب أو شجّ رأسه وشظيت رباعيته كما في يوم أحد يقول: «اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون» «٢» .

ولما أكمل ست سنين توجّهت أمه مع أم أيمن حاضنته عليه الصلاة والسلام لزيارة أخوال أبيه بنى النجار، وأقاموا شهرا ورجعوا ذاهبين إلى مكة، فلما نزلوا بالأبواء (محل بين مكة والمدينة، وهو إلى المدينة أقرب) ماتت أمه، فدخلت به أم أيمن مكة، وكان يقول لها: «أنت أمّى بعد أمي» أى في الاحترام؛ لأنها قامت مقام أمه في تربيته.

فضمّه جده عبد المطلب، وكان يرقّ عليه ويعلى منزلته ويقول: إن لولدى هذا شأنا عظيما. وكان أبوه عبد الله مات وله سنتان، وقيل وهو حمل، لأن عبد المطلب كان يبعثه إلى غزة من الشام يمتار لهم طعاما مع تجار من قريش، فلما رجعوا مرض عبد الله؛ فلما دخلوا إلى المدينة تخلّف بها عند أخواله بنى النجار،


(١) جزء من حديث طويل رواه الترمذي، والنسائي وابن ماجه.
(٢) رواه الطبراني في الكبير عن سهيل بن سعد.