المشرفة، ثم أهل المدينة المنورة، ثم أهل مصر في السنين المتقدمة والمتأخرة، ثم غيرهم، تقبّل الله عملهم.
وأوّل من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين به، وبه اقتدى في ذلك السلطان الملك المظفر صاحب «إربل» فى الجامع المظفرى الذى للحنابلة بصالحية دمشق ( «وإربل» مدينة بقلعة على مرحلتين من الموصل) ، فكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأوّل، ويحتفل به احتفالا هائلا. يكثر فيه من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور، مما يجلّ عن الوصف، وإنفاقه بسببه ألوفا من المال الطيّب الحلال، وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية، فيخلع عليهم ويطلق لهم (يعنى الأعطية) وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار.
ولما اجتاز الحافظ ابن دحية بإربل، ووجد ملكها المظفر يعتنى بالمولد الشريف عمل له كتاب «التنوير في مولد البشير النذير» وقرأه عليه بنفسه، فأجازه على ذلك بألف دينار» .
وقال الشيخ جلال الدين المعروف بالمخلّص:«مولده صلّى الله عليه وسلّم مجمّل مكرّم، قدّس يوم ولادته وشرف وعظم، وكان وجوده مبدأ سبب النجاة لمن اتبعه، وتقليل حظ جهنم ممن أعدّ لها لفرحه بولادته صلّى الله عليه وسلّم. وتمت بركاته على من اهتدى به، فشابه هذا اليوم الجمعة من حيث إن يوم الجمعة لا تسعّر فيه جهنم «١» هكذا ورد عنه صلّى الله عليه وسلّم) ، فمن المناسب إظهار السرور، وإنفاق الميسور.
قال العلامة الشمس ابن الجوزى في اخر كتابه «التعريف بالمولد الشريف» :
«فإن قيل: فلم لم تتخذ أمته صلّى الله عليه وسلّم مولده عيدا كما اتخذت أمة عيسى عليه السلام ليلة مولده عيدا؟
فالجواب أنه لما كان يوم مولده صلّى الله عليه وسلّم هو يوم وفاته، تكافأ السرور بالعزاء، وهذا أحسن ما خطر لى في ذلك، وقد يقال: إنه لما اختلف فيه لم يتعين، أو يقال
(١) ولفظه كما جاء في الإحياء: «إن الجحيم تسعر في كل يوم قبل الزوال عند استواء الشمس في كبد السماء، فلا تصلوا في هذه الساعة، إلا يوم الجمعة فإنه صلاة كله وإن جهنم لا تسعر فيه» رواه أبو داود. وروى أبو داود أيضا عن قتادة: «إن جهنم تسجّر، إلا يوم الجمعة» .