الأعياد توقيفية، ولم يشرع غير هذين اليومين (١) ، أو يقال سدا للذريعة، وما أشرت إليه أوّلا ألطف، وإلا ففى الحقيقة مولده صلّى الله عليه وسلّم عيد وأيّ عيد، يشمل القريب من أمته والبعيد.
وبالجملة فالاعتناء بوقت مولده الشريف صلّى الله عليه وسلّم، والإنشاد للمدائح النبوية والزهدية والعرفانية، وإطعام الطعام والصدقات السنية أمر حسن منيف، يثاب فاعله الثواب الجزيل، بقصده الجميل، وإن كان عمله لم ينقل عن أحد من السلف الصالح والقرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعدها، فلذلك كان بدعة حسنة عند من تحقّق العلم وأتقنه، ثم لا زال أهل الإسلام في سائر الأقطار والمدن العظام يحتفلون في شهر مولده خصوصا في ليلته، بعمل المولد بما ذكر، وإظهار السرور بذلك والحبور بتلك المسالك، وبعضهم يزيد على ذلك بقراءة ما صنف في المولد الشريف وما ورد فيه من الخير الثابت المنيف، على أنه ليس قيدا في استحباب عمل المولد المذكور، وإنما هو لزيادة الأجور.
وقد جرت العادة أنه إذا ساق الوعّاظ والمدّاح مولده صلّى الله عليه وسلّم وذكروا وضع أمّه له صلّى الله عليه وسلّم: قام أكثر الناس عند ذلك تعظيما له صلّى الله عليه وسلّم، وهذا القيام بدعة لا أصل لها، لكن لا بأس به لأجل التعظيم، بل هو فعل حسن ممن غلب عليه الحب والإجلال لذلك النبى الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، وما أحسن قول الإمام أبى زكريا يحيى الصرصرى الحنبلى في بعض قصائده النبوية:
قليل لمدح المصطفي الخطّ بالذهب ... علي فضة من خطّ أحسن من كتب
وأن ينهض الأشراف عند سماعه ... قياما صفوفا أو جثيا علي الرّكب
أما الله تعظيما له كتب اسمه ... علي عرشه يا رتبة سمت الرّتب
وقد اتفق أن منشدا أنشد هذه القصيدة في ختم درس شيخ الإسلام تقيّ الدين أبى الحسن عليّ بن السبكى رحمه الله، وكان القضاة والأعيان مجتمعين عنده، فلما وصل المنشد في قوله:
* وأن ينهض الأشراف عند سماعه*
إلى اخر البيت، قام الشيخ في الحال على قدميه امتثالا لما ذكره الصرصري، وقام الناس كلهم وحصلت ساعة طيبة. ذكر ذلك ولده التاج السبكى في ترجمته من طبقاته.