وهيأته كذا، وقربه من الجبل كذا. وسألوه أمارة، فأخبرهم بالعير وأنهم يقدمون يوم الأربعاء، فلما كان ذلك اليوم لم يقدموا حتّى كادت الشمس أن تغرب، فدعا صلّى الله عليه وسلّم الله، فحبس الشمس، وكان كما وصف صلّى الله عليه وسلّم. واختلف في حبس الشمس، فقيل وقوفها عن السير (عن الحركة) بالكلية، وقيل بطء حركتها. (وقيل غير ذلك) .
فما زال ينعت لهم حتّى التبس عليه النعت، فكرب كربا ما كرب مثله، فجيء بالمسجد وهو ينظر إليه حتّى وضع دون دار عقيل أو عقال، فقالوا له: كم للمسجد من باب؟ ولم يكن عدّها، فجعل ينظر إليها ويعدّها بابا بابا، وأبو بكر رضى الله عنه يقول:«صدقت، صدقت، أشهد أنك رسول الله» ، فقال القوم: أما النعت فو الله لقد أصاب، ثم قالوا لأبى بكر: أتصدّقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال:«نعم، إنى لأصدّقه فيما هو أبعد من ذلك؛ أصدّقه بخبر السماء في غدوة أو روحة» . فلذلك سمى أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه.
وحكمة تخصيص الإسراء إلى المسجد الأقصي: أن قريشا تعرفه، فيسألونه عنه، فيخبرهم بما يعرفونه، مع علمهم أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يدخل بيت المقدس قط، فتقوم الحجة عليهم، وكذلك وقع.
* وقد اختلف الناس في كيفية الإسراء: فالأكثرون من طوائف المسلمين متفقون على أنه بجسده صلّى الله عليه وسلّم، والأقلّون قالوا بروحه، فالإسراء بالروح محكي عن حذيفة وعائشة ومعاوية رضى الله عنهم، فقد قالوا: إن ذلك كله كان رؤيا، وهناك قول ثالث: إن الإسراء كان بجسده إلى بيت المقدس، وبروحه من بيت المقدس إلى السموات السبع.
والصحيح عند الجمهور أن الإسراء والمعراج كانا يقظة لا رؤيا؛ لأنه قد صح أن قريشا كذّبته، وارتدّ جماعة ممن كان أسلم، وسألوه أمارة فأخبرهم بقدوم العير يوم الأربعاء؛ فلما كان ذلك اليوم لم يقدموا حتّى كادت الشمس أن تغرب، فدعا الله تعالى فحبس الشمس حتّى قدموا كما وصف. وكذلك تجلّى البيت المقدس له ونظره إليه وإخبار قريش، فهذا يدل على أن ذلك كله لم يكن رؤيا، ولو قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «رأيت رؤيا» لما كذّب ولا أنكر ذلك على غيره، فضلا عن إنكاره عليه، لأن احاد الناس يرون في منامهم أنهم ارتقوا إلى السموات، وليس ذلك بعجيب.