للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضا الظاهر من قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ أنه يقظة؛ فإن العبد (كما في المحكم) «١» الإنسان: حرّا كان أو عبدا لأنه مملوك لربه، وهو في الأصل صفة، لكنه استعمل استعمال الأسماء، والمراد به هنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، ففى قوله بِعَبْدِهِ دليل على أن الإسراء كان بروحه وجسده، لا بروحه فقط؛ إذ العبد اسم للجسد والروح. وتعجّب قريش من ذلك لاستحالتهم إياه مدفوع «٢» كما قال أهل الهيئة «٣» إن الفلك الأعظم في مقدار ما يتلفظ الإنسان بلفظة واحدة يقطع ألفا واثنين وثلاثين فرسخا، وكما قاله البيضاوى بما ثبت في الهندسة أنّ ما بين طرفي قرص الشمس ضعف ما بين كرة الأرض مائة ونيفا وستين مرة، ثم إن طرفها الأسفل يصل موضعها الأعلى في أقل من ثانية «٤» وهى جزء من ستين جزا من الدقيقة.

وقد برهن في كتاب «الإحكام» أن الأجسام متساوية في قبول الأعراض، فالله قادر على كل الممكنات، فيقدر أن يخلق مثل هذه الحركة السريعة في بدن النبي، أو فيما يحمله، والتعجب من لوازم المعجزات. اهـ.

قال محشّيه «٥» : وأيضا كما يستبعد في العقل صعود الجسم الكثيف من مركز العالم إلى ما فوق العرش، فكذلك يستبعد نزول الجسم اللطيف الروحانى من فوق العرش إلى مركز العالم. فإن كان معراجه صلّى الله عليه وسلّم في ليلة واحدة ممتنعا، كان نزول جبريل من العرش إلى مكة في لحظة واحدة ممتنعا، ولو حكمنا بهذا الامتناع كان ذلك طعنا في نبوة جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والقول بثبوت المعراج متفرع على نحو تسليم جواز أصل النبوة، فثبت أن القائلين بامتناع صعود حركة جسمانية سريعة إلى هذا الحدّ يلزمهم القول بامتناع نزول جبريل فى لحظة واحدة من العرش إلى مكة، وإن كان ذلك باطلا كان ما ذكر أيضا


(١) كتاب المحكم لابن سيده وهو العمدة في المعاجم.
(٢) أى مردود عليه.
(٣) علماء الطبيعة (الفيزياء) .
(٤) لأنها نجم سيار، فالمكان الذى يكون فيه طرفها الأعلى يصله طرفها الأسفل في هذه المدة، والله هو الأعلم والأدرى بخلقه.
(٥) أى صاحب الحاشية أى الهامش على الكتاب المذكور.